لا تلوموا البقر

نقضي ثلث الليل أو نصفه نشاهد مسلسلات نتفليكس وأمازون وشاهد بطاقةٍ كهربائية أحفورية تحترق وتلوث. ثم نلوم البقر على الاحترار.
الأربعاء 2022/11/23
صار يصحّ على الأبقار ما كان يقال مثلا عن السمك: مأكول مذموم

آخر المتهمين بالتسبب في الاحترار المناخي هم البقر. هناك في أيّ لحظة من عصرنا الحالي حوالي مليار بقرة وعجل تنتشر في مزارع ومراعي مختلف مناطق العالم. الاتهام يقول إن كمية الميثان التي تصدر عن هذا العدد المهول من الأبقار تزيد من محنة الأرض وتتسبب في المزيد من التلوث والاحترار. المليارات الثمانية من البشر الذين يأكلون لحم العجول ويشربون حليب الأبقار يبدو أنهم أبرياء من تهمة التلوث. وحكم البراءة يشمل -ضمنيّا وإن لم يجرؤ أحد على الإشارة إلى ذلك- مليارا ونصف المليار سيارة في العالم.

مسكينة الأبقار. صار يصحّ عليها ما كان يقال مثلا عن السمك: مأكول مذموم.

اللحم البقري ليس رائجا تماما في عالمنا العربي. هذه بلاد تعاني من الجفاف تاريخيا، والخروف هو مصدر اللحم الأسهل والأفضل. الأبقار تحتاج إلى الكثير من العلف، الأخضر والجاف. شرائح الستيك البقري ليست من الوجبات المشهورة في الشرق الأوسط. أكل اللحم في عالمنا يعني مشاوي لحم الضأن، “تكة وكباب”، ومرق الزند والرقبة، وما تبقى من الخروف يتحول إلى رأس مسلوق وعصبان محشوة، أو كما يسميها العراقيون “باجة”.

لكن 400 مليون عربي لا شك أنه تم إرضاعهم حليب البقر. الحليب الطازج بدأ يتسلل إلى الأسواق خلال السنوات العشرين الماضية بعد توسع صناعة الألبان في المنطقة. قبلها، على مدى سنوات طويلة، ساد الحليب المجفف المستورد؛ أجيال متتالية تشرب حليب الكيكوز وهي رضيعة وحليب نيدو وهي في مرحلة الطفولة والصّبَى. "نيدو بيخلي الولاد يكبرو يكبرو". هكذا يقول الإعلان على الفضائيات. وفي مكان ما من أوروبا، هناك أبقار تنتج الحليب على مدار الساعة ليتحول إلى حليب جاف أو أجبان طرية وناشفة. جبنة كرافت المعلبة في كل مطبخ، وجبنة كيري وبقرتها الضاحكة المنقذ للأمهات حين يهجم الأطفال وهم يبحثون عما يسد جوعهم. "طيبة كيري كيري. جبنة البقرة الضاحكة. ها ها ها. طعمها لزيز. لا فاش كيري".

Thumbnail

نحن أمة 400 مليون برعاية نيدو. الآن يقولون لنا إن الأبقار هي سبب الحرارة التي تحرق الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وتوزع الجفاف، ليست كل تلك المعامل التي أحرقت الفحم وتحرق النفط والغاز على مدى قرنين وأكثر من الثورة الصناعية، وليست السيارات الفارهة بمحركات 4 لترات وأكثر التي تجول الولايات المتحدة والخليج. المطلوب الآن من المربي الأوروبي أن يقلص عدد الأبقار والعجول. وتقع على عاتق الراعي الإثيوبي أو الصومالي الذي يصارع من أجل البقاء، مهمة أن يقلص عدد الماشية التي يجول بها بحثا عن العشب والماء، من أجل مواجهة التصحر والجفاف والاحترار المناخي.

لا أريد أن أجادل علميا بحجم مشاركة الميثان في ما نشهده اليوم من تدهور مناخي. نسمع منذ عقود عن نظريات كثيرة عن الاحترار المناخي، وكلنا يعرف أن السبب هو الانفجار السكاني. عام 1900 كان عدد سكان الأرض مليارًا ونصف المليار. اليوم العدد ثمانية مليارات. كل واحد منهم يريد أن يأكل ويتدفأ ويتبرد ويتنقل ويقضي السهرات على ضوء كهربائي بعد أن ودعنا الشموع والفوانيس والنوم المبكر. نقضي ثلث الليل أو نصفه نشاهد مسلسلات نتفليكس وأمازون وشاهد بطاقةٍ كهربائية أحفورية تحترق وتلوث. ثم نلوم البقر على الاحترار.

20