من يغير الآخر: القوانين أم الثقافة

مجتمعاتنا في الأغلب تتطور سريعا، لكن هذا التطور يطال القشرة الخارجية، تغيير على مستوى الشكل والصورة.
الأحد 2022/11/06
تحسين أوضاع النساء يحكمه التوظيف السياسي

بين الفينة والأخرى يثور الجدل حول مدى قدرة القوانين على حماية النساء في مجتمعات عربية لا تزال في أغلبها تحتكم إلى الثقافة القديمة التي تنظر إلى المرأة كتابع أو جزء مكمل لسيطرة الرجل على الأسرة والمجتمع.

الجدل في تونس يأخذ بعدا أكبر، فقوانين البلاد منذ الاستقلال اختارت اتجاها مغايرا يهدف إلى تحقيق شراكة فعلية بين الرجل والمرأة. ونجحت هذه القوانين بفضل عدة عناصر كان من أبرزها رغبة الرئيس المؤسس الحبيب بورقيبة في تحقيق تغيير يجعل بلاده مختلفة عن سواها. ولإنجاح ذلك استعان بالتعليم والقرارات السياسية لتحويل هذه الرؤية إلى واقع.

لكن المفارقة أن مشاركة المرأة، التي تطول مختلف مناحي الحياة العملية والمهام الإدارية، لم تنجح في القطع مع الثقافة القديمة. وبعد كل جريمة يكتشف الناس أن التغيير لا يزال سطحيا، وأن التعليم الذي قاد المرأة إلى مواقع متقدمة لم يطور الرجل ولم يقدر على ملامسة الموروث الذي ظل كما هو معاديا ورافضا.

آخر الحوادث كان إقدام رجل على قتل زوجته حرقا لخلافات عائلية كان يمكن حلها بالحوار.

البعض يحمّل الظروف الاجتماعية الصعبة التي تعيشها البلاد مسؤولية العنف، ويقول إن الناس بلغوا حالة قصوى من التوتر ما يجعلهم يميلون إلى العنف، وإن الجرائم لا تستهدف النساء كنوع، وإنما تنفذ ضمن مسار أشمل للعنف يشمل الرجال كما النساء والأطفال.

وهناك من يحمّل الدولة مسؤولية عجزها عن حماية النساء، ويقول إن البعض ممن قتلن أو تعرضن لمحاولات قتل كنا شكين للقضاء والأمن وحذرن من استهدافهن جسديا من الأزواج أو الآباء أو الإخوة.

لا شك أن الدولة لا تقدر على أن توقف الأفراد لمجرد أن الشريك يتخوف أو يحذر أو يتحدث عن تهديدات، وإلا كانت أوقفت نصف المجتمع الذي لا تقدر السلطة /القوة/ على تثقيفه وتوعيته ونقله إلى مرحلة احترام النساء ما لم تتغير ثقافته.

وهناك حقيقة أن مجتمعاتنا في الأغلب تتطور سريعا، لكن هذا التطور يطال القشرة الخارجية، تغيير على مستوى الشكل والصورة.

وجزء من تحسين أوضاع النساء يحكمه التوظيف والاستثمار السياسي ولا يعبر بالضرورة عن حراك اجتماعي. ويمكن أن نشير هنا إلى موضوع “الكوتا” في الانتخابات، التي تتيح للنساء الحصول على مقاعد في البرلمان ما كن ليحصلن عليها لو شاركن في الانتخابات.

إن تغيير أوضاع النساء في أي مجتمع لا تحققه القوانين، وإن كانت حاجة ضرورية، وإنما يتحقق بتغيير ثقافي شامل يستطيع أن يرفع القداسة عن الموروث، يخرجه إلى العلن ويظهر تناقضاته، وتحت مفعول الصدمة يطوره.

20