اتحاد المدخنين في تونس

لا نعرف تفاصيل الاتفاق بين الحكومة التونسية وصندوق النقد الدولي بخصوص صناعة التبغ. لكن بالتأكيد أن الحكومة تعتبر الشركة خاسرة وتريد خصخصتها.
الأربعاء 2022/11/02
الأمور بدأت تفلت من يد اتحاد الشغل

عالم التبغ حافل بالمفارقات. بداية لم أدخن أبدا، ولديّ موقف من التدخين عموما، لهذا فإن ما أكتبه يعبّر عن تحيّز لفكرة رفض التدخين بالأساس. رفضي لا يقوم على أساس صحي، بل قائم على أنه عادة سيئة. جرب أن تقف بجانب مدخن شره آخر النهار، أو أن تجلس على طاولة مقهى لم يتم تنظيف منفضة السجائر فيها، لتعرفوا قصدي.

كل عام يثار الجدل مع إعلان الحكومة البريطانية الميزانية. تستهدف الحكومة صناعة التبغ بضرائب سنوية متصاعدة. قبل سنوات كان سعر علبة السجائر في بريطانيا أقل من جنيهين. اليوم تجاوز السعر 10 جنيهات. الفارق بالسعر أساسه الضرائب وليس زيادة كلفة الإنتاج.

مع زيادة الضرائب على السجائر، تمارس الحكومة حملة لا هوادة فيها للحث على التوقف عن التدخين. مرة التدخين يقتل. مرة التدخين يدمر الخصوبة. مرة صورة لشكل الرئة لدى مدخن. دعاية أشبه بفيلم رعب. ضع جانبا منع التدخين في أيّ مكان مغلق، وفي الكثير من الأماكن العامة المفتوحة.

لكن المفارقة أن ضرائب السجائر تموّل القطاع الصحي. أحد الخبراء كان على شاشة التلفزيون يتحدث ببساطة عن معادلة السجائر والمدخنين وتمويل القطاع الصحي. يموت 50 ألف بريطاني سنويا بسبب أمراض لها علاقة بالتدخين. لكن الضرائب المحصلة من السجائر توفر رعاية صحية لخمسة ملايين من المرضى. دع الناس تدخن إذا. الحكومة تحارب التدخين، لكنها تجني عائدات مبيعاته. الإحساس بالذنب يخفّ لدى السياسيين طالما المحصلة للصالح العام، وبصمات “جريمة” السجائر هي لشركات التبغ.

كنت أعتقد أن هذه أطرف المفارقات، لحين قرأت تصريحا من اتحاد الشغل التونسي عن عزم الحكومة خصخصة صناعة التبغ في تونس، وأنه سيواجه القرار بحسم لمنعه على الرغم من أنه من شروط صندوق النقد الدولي لمنح البلاد قروضا ميسرة تنقذ اقتصادها. لاتحاد الشغل حساباته السياسية، ولا علاقة للصحة العامة بها. لكن لو سمع أيّ مراقب صحي في العالم عن أن الحكومة التونسية تمتلك شركة صناعة التبغ، لا شك سيصاب بالدهشة.

دور الحكومات محاربة التدخين. الضرائب العالية التي تفرضها الدول على السجائر هي موازنة بين مصلحة الصحة العامة بتوفير موارد وتحاشي الإحساس بالذنب. الدول “تعاقب” المدخنين على تدخينهم بالضرائب الباهظة. مهمة الحكومات هي التوعية بمخاطر التدخين وتأثيره على الفرد، صحيا وماليا. لكن في تونس الوضع مختلف. الحكومة تنتج السجائر وتبيعها وتروّج لها. ولا يقف الأمر عند هذا الحد، بل “يزعل” اتحاد الشغل لو سحبت الدولة يدها من ارتكاب هذا الذنب ويقرر أن يتصدى للأمر. الحكومة والاتحاد يتحالفان، كل لأسبابه، ضد صحة التونسي.

لا نعرف تفاصيل الاتفاق بين الحكومة التونسية وصندوق النقد الدولي بخصوص صناعة التبغ. لكن بالتأكيد أن الحكومة تعتبر الشركة خاسرة وتريد خصخصتها. لم يرتفع الوعي الصحي للمسؤولين التونسيين مؤخرا لنفترض أن يكون الدافع الصحي من وراء عزمها خصخصة القطاع. ولا شك أن صحة اتحاد الشغل، كمنظمة نقابية تحس أن الأمور بدأت تفلت من يديها، أهم من تأثيرات التدخين على صحة التونسي.

المدخنون التونسيون مدعوّون لتأسيس اتحاد للمدخنين، يدافع عن مصالحهم وعن صحتهم.

20