الاكتئاب.. الأكثر انتشارا

إدمان العيش في العالم الافتراضي الذي يباعد يوما عن آخر الآلاف من الشباب عن واقعهم، يشحنهم بالأحلام الكبيرة وحين يخرجون إلى الواقع يجدون أن الظروف معاكسة تماما.
الأحد 2022/10/30
صدمة الثورة دفعت الناس إلى الشك في المستقبل

حصل انزياح كبير لظاهرة الاكتئاب. في السابق كان الأمر عبارة عن مرض نفسي ناجم عن العجز في الاندماج الفردي في المجتمع، أو أن الشخصية الانطوائية الهشة تعجز عن مجابهة أزماتها الخاصة فتنكفئ على نفسها.

الآن الأمر تغير ليصبح السبب خارجيا وليس ذاتيا. فالأزمات هي من تهاجم الشخص فتخلق لديه عجزا عن مواجهتها، وهو ما يعني أن السبب الأول اجتماعي وليس نفسيا.

أرقام كثيرة تقول إن الاكتئاب في زيادة، من ذلك تأكيد دراسة بريطانية أن حالات الاكتئاب زادت بمقدار الربع في جميع أنحاء العالم كأحد المخلفات المباشرة لجائحة كورونا، وأن الفئات المتضررة منه هم الشباب والنساء. ويتوقع أن يرتفع الرقم أكبر في ظل أزمة الغذاء العالمية.

وطالما أن الأسباب مرتبطة بظروف موضوعية، فإن الاكتئاب سيصبح لازمة مباشرة بالظروف الاقتصادية والاجتماعية الصعبة التي تعيشها الدول الفقيرة، وخاصة في دول عربية مثل تونس.

وحسب استطلاع سابق لـ”بي.بي.سي” عن الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، فإن 4 من بين كل 10 تونسيين يعانون من الاكتئاب. ويظهر الاستطلاع الذي شمل 10 دول أن العراقيين والفلسطينيين فقط هم الذين يميلون للحديث عن الاكتئاب عندما يشعرون به.

وتشير تقارير إلى أن مستشفى الرازي الذي يعنى بالأمراض النفسية الحادة قد تضاعف عدد مرضاه من 5 آلاف إلى قرابة 10 آلاف مريض في السنوات الأخيرة. ما يؤكد أن تزايد تعقيدات الوضع يفضي إلى زيادة عدد المرضى.

ويقول مختصون وتقارير مختلفة إن الظاهرة في ازدياد لدى الفئات الهشة مثل الشباب والنساء وخاصة الأطفال بعد صدمة الثورة وما تبعها من أزمات وصراعات وعنف دفعت الناس إلى الشك في المستقبل، وهو أمر ضاعفت من حدته مواقع التواصل الاجتماعي التي باتت العنصر الرئيسي الناقل للخوف والتشاؤم من المستقبل.

هذا المناخ قاد إلى زيادة عدد الانطوائيين والعاجزين عن مجابهة الظروف خاصة لدى الفئات المعنية. وجاءت ردود الفعل مختلفة، بعض الشباب هرب إلى الإرهاب للتعويض عن العجز. البعض الآخر اختار طريق الهجرة السرية المغامرة (الحرقة)، واختار الموت أو النجاة والعيش في ظروف أفضل.

وشق ثالث اختار الخيار الأسوأ، وهو الانتحار. وكان لافتا ارتفاع أخبار الانتحار وتوزعها جغرافيا على أغلب مناطق البلاد، واستهدف بصفة خاصة الشباب والأطفال. وهي مفارقة غريبة، فالأطفال عادة يتركون التعامل مع الظروف الصعبة لأولياء الأمور.

لكن من الظاهر أن الأوضاع الصعبة قد اخترقت عالمهم، إما بسبب الإحساس بالعجز عن تقبل الفوارق الاجتماعية بين الفقراء والأثرياء الجدد، أو بسبب آخر يمكن وصفه بالقاتل الصامت، وهو إدمان العيش في العالم الافتراضي الذي يباعد يوما عن آخر الآلاف من الشباب عن واقعهم، يشحنهم بالأحلام الكبيرة وحين يخرجون إلى الواقع يجدون أن الظروف معاكسة تماما، وهي الأرضية التي تؤسس للانطواء ثم الاكتئاب ولاحقا الانتحار.

20