الأطفال في تونس ضحايا التنمر والعنف وخطاب الكراهية

يؤكد خبراء علم النفس على ضرورة حماية الأطفال من التنمر المنتشر في الفضاء السيبراني لما يخلفه من ضغوط نفسية على الأطفال تصل إلى حد الانتحار، مشيرين إلى أن العنف وخطاب الكراهية يغذيان ظاهرة التنمر ويسهمان في احتدادها. كما يلفتون إلى أهمية الخطاب العكسي في رفع معنويات الطفل والتهوين عليه، وتلعب الأسرة هنا دورا هاما في التخفيف من آثار التنمر على الأبناء بالاستماع إليهم.
تونس - شهدت محافظة القيروان (وسط البلاد التونسية) حادثة انتحار فتاة تبلغ من العمر 17 عاما بعد تعرضها للتنمر، وفق ما أكده بيان للجمعية التونسية لوقاية الطفولة والشباب من مخاطر المعلوماتية. ودعت الجمعية التونسية إلى إرساء إستراتيجية وطنية مشتركة لوقاية الأطفال من جميع المخاطر السيبرانية، وذلك بعد أن أقدمت فتاة على الانتحار.
وحذّرت الجمعية في بيان لها من احتداد أشكال العنف والتنمر وخطاب الكراهية المهددة لسلامة الأطفال الجسدية والنفسية والعقلية، مع تزايد تواجدهم في الفضاء السيبراني ووسائل التواصل الاجتماعي.
وأشارت إلى أن التلميذة ذات الـ17 عاما أقدمت على الانتحار بسبب تعرضها للتنمر، وفق نص البيان. كما أشارت وزارة المرأة والأسرة والطفولة وكبار السن إلى مباشرة التنسيق مع المصالح الجهويّة المختصّة قصد تأمين التعهّد النفسي اللازم بشقيقتها الصغرى (14 عاما) وسائر أترابها القصّر في المؤسسة التربوية التي كانت تزاول فيها دراستها لمساعدتهم على تجاوز الآثار النفسيّة لهذه الحادثة الأليمة.
ورغم إقرارها لقانون يعاقب المتنمرين إلكترونيا بالسجن لمدة تتراوح بين سنة واحدة وسنتين وبخطية مالية تصل إلى ألف دينار، تعرف تونس مثل سائر البلدان العربية تناميا لظاهرة التنمر التي صارت تشمل مختلف الفضاءات، كالشّوارع وأماكن العمل والمقاهي والمدارس والفضاء الرّقمي.
لكن يبقى التنمر في المدارس ذا خطورة متزايدة نظرا إلى ما يخلفه للأطفال من أضرار نفسية. ويؤدي التنمر الذي يمارس ضد الطالب إلى شعوره بالقلق والخوف والوحدة، فيلتجئ إلى العزلة التي تصل أحيانا إلى مراحل متقدمة من الاكتئاب، ومن ثمّ يلجأ إلى الانتحار.
وقالت الدكتورة عبير بن حمودة، أخصائية الطب النفسي للأطفال، “إن التنمر ظاهرة بدأت تحتد في مجتمعنا وفي مدارسنا ولها مخلفات نفسية خطيرة على الأطفال”، مشيرة إلى أن “التنمر هو عدم قبول الطفل لطفل آخر مختلف عنه بعض الشيء”.
وأضافت أن “التنمر يمكن أن يأخذ أشكالا مختلفة، إذ يمكن أن يكون عن طريق الكلام أو التصرفات أو النظرات أو عن طريق عزل الطفل بما يجعله خارجا عن إطار المجموعة وغير مقبول فيها”.
ودعت بن حمودة عبر صفحتها على فيسبوك إلى ضرورة وعي الآباء بخطورة التنمر وحماية أطفالهم منه لأنه يمكن أن يؤدي إلى إصابة التلميذ بالاكتئاب واضطراب السلوك، ما ينتح عنه تراجع مستوى الطفل معرفيا وكرهه للمدرسة.
وقالت بن حمودة “إن الحماية تبدأ عندما يكشف الطفل لوالديه أنه تعرض للتنمر ويشعر بأنه سيكون في أمان إذا صرح بذلك”. وأشارت إلى أن الطفل الضحية يجب أن يعي أن زميله ليس له الحق في أن يتنمر عليه أو يجرح مشاعره بالكلام أو التصرفات، وأن له نفس الحقوق مثل زميله في الوسط المدرسي.
وأكدت على ضرورة توعية الإطار التربوي بوجود الاختلافات بين الأطفال حتى تتم مساعدة الطفل على تفهم ذلك أيضا؛ وذلك بأن يتحدث والداه إلى المعلم ويشرحان له الوضعية، كأن يكون الطفل مثلا حاملا لإعاقة.
وقال أحمد الأبيض المختص في علم النفس “إن الخطاب العكسي من شأنه تخفيف حدة خطاب التنمر الذي يتعرض له الطفل إما مباشرة أو عبر الفضاء السيبراني، واستشهد بواقعة حدثت لطالب في الفصل تنمر عليه زملاؤه لقلة فطنته، لكن المعلمة بحنكتها جعلته يصبح من المتميزين ونسي سخرية زملائه منه”. وذكر الأبيض لـ”العرب” أن “التنمر ظاهرة مستجدة لكنها أصبحت متفشية في المجتمع التونسي بصفة ملحوظة ومرد ذلك أن المجتمع التونسي أصبحت تسيطر عليه المادة والمظاهر مقابل تراجع الجانب الأخلاقي والقيمي”.
ونبه إلى ضرورة أن تكون الأسرة واعية بخطورة ظاهرة التنمر على أطفال المدارس حتى تستوعب أطفالها وتبعدهم عن كل رد فعل يمكن أن يؤدي بهم إلى الانتحار في بعض الأحيان.
والتنمر المدرسي أو التنمر في أماكن الدراسة هو أكثر أنواع التنمر انتشاراً، وهو تعرض التلميذ للإيذاء الجسدي أو النفسي من خلال الضرب والركل وشد الشعر وتخريب الممتلكات الخاصة بالشخص والتقليد السلبي والتجريح، والشتائم والشائعات والتهديد والعزل، أو حتى تعديل صور غير قانونية للضحية عبر الإنترنت واستغلالها في تهديد الضحية، أو نشرها لمجرد الاستهزاء من الشخص والتقليل من شأنه. أما التنمر الإلكتروني فهو استغلال التكنولوجيا وشبكة الإنترنت وتقنياتها لإيذاء أشخاص آخرين بطريقة متعمدة ومتكررة وعدائية.
ومن الأمثلة على التنمر الإلكتروني الاتصالات والرسائل التي تسعى للترهيب والإيذاء والتخويف والتلاعب والقمع وتشويه السمعة أو إذلال المتلقي وتعديل صور الأشخاص على الإنترنت ونشرها.
ويرى خبراء علم الاجتماع أن العنف وخطاب الكراهية يغذيان ظاهرة التنمر، مشيرين إلى أن شريحة الشباب تعد من أكثر الشرائح المجتمعيّة هشاشة إزاء العنف وخطاب الكراهية.
ويطرح تنامي التطرّف والعنف المادي واللفظي داخل المجتمع التّونسي تساؤلات جديدة حول آليّات الوقاية المناسبة ضدّ خطاب الكراهية وخاصّة في الوسط المدرسي.
وقالت سلوى الغزواني، مديرة مكتب منظّمة المادّة 19 في تونس التي اختارت الوسط المدرسي للشّروع في العمل حول آليّات الوقاية من خطاب الكراهية في الوسط المدرسي، “إن ذلك كان أمرا طبيعيّا لأنّ الشباب من أكثر الشرائح المجتمعيّة هشاشة إزاء خطاب العنف وهم في ذات الوقت أكثر المؤهّلين لتعلّم سبل الكشف عنه والحماية ضدّه”.
وعملت منظّمة المادّة 19 في خضم إصلاح المنظومة التربويّة، بالشراكة مع وزارة التّربية، لإرساء أداتين تعليميّتين مخصّصتين لحريّة التّعبير والوقاية من خطاب العنف تتمثّلان في دليل بيداغوجي للتّوعية بالموضوع موجه إلى المدرّسين ومنصّة تفاعليّة وتربويّة موجّهة أكثر إلى التّلميذ.
وأضافت الغزواني أن "المنظمة ساهمت في استخدام المؤهّلات الخاصّة بالشباب في عمليّة الوقاية من خطاب الكراهية؛ فإلى جانب انجذاب الشباب نحو الخلق والابتكار لا بدّ من التوظيف الجيّد لمؤهّلاتهم في مجال استخدام الإنترنت وشبكات التّواصل الاجتماعي". وأشارت إلى أنه “يتعيّن على المؤسّسات التّربويّة أن توفّر البيئة الملائمة لحريّة التّعبير لدى التّلاميذ لا فقط عبر الفضاءات المخصّصة بل وكذلك عبر المادّة التّعليميّة الرّسميّة”.
◙ على الآباء حماية أطفالهم من التنمر لأنه يمكن أن يؤدي إلى إصابتهم بالاكتئاب واضطراب السلوك، ما ينتح عنه تراجع مستواهم المعرفي
كما يتعين على الأسرة أن تكون المساهم الأول في الحد من ظاهرة التنمر باعتبارها المسؤولة عن تربية الطفل وتوجيه سلوكه. وحسب دراسة نشرت في المجلة العربيّة للعلوم ونشر الأبحاث تُساهم التنشئة الاجتماعية بشكل كبير في ظهور مشكلة التنمّر؛ فهي الإطار الاجتماعي الذي تتشكل فيه شخصية الطفل، والذي من خلاله يمكن أن يبني كل فرد ملامح شخصيته وفق الثقافة والقيم التي يتبناها في سنّ مبكرة.
وحسب الدراسة تتكوّن ظاهرة التنمر داخل الأسرة، وفي ظلّ ضعف الرابط الاجتماعي بين أفرادها وغياب الحوار والتواصل تتطور وتنمو بشكل أكبر وتتواصل داخل أسوار المدرسة باعتبارها المؤسسة الاجتماعية الثانية التي تضطلع بدور تنشئة الفرد.
ولمعالجة ظاهرة التنمر يوصي خبراء علم الاجتماع والمختصون في مجال التربية بضرورة بث القيم الإنسانية في نفوس الأطفال كالتسامح والمساواة والاحترام والمحبة والتواضع والتعاون ومساعدة الضعيف وغيرها من القيم، والحرص على تربية الأبناء في ظروف صحية بعيداً عن العنف والاستبداد، وتعزيز عوامل الثقة بالنفس وقوة الشخصية لدى الأطفال.
ويرى الخبراء أنه على المحطات التلفزيونية العمل على بث البرامج التعليمية والوثائقية الهادفة وتجنب البرامج العنيفة. وحتى إن لم تغير المحطات سياستها، على الأهالي اختيار الإعلام المناسب لأطفالهم.