وكالات أنباء "موضوعية"

تستطيع الصحف أن تنتقي خطها التحريري. سمّ ذاك صداقات أو عداوات، كما هو الحال في الكثير من الصحافة العربية. سمه يسارا أو يمينا، كما يسود في الصحافة الغربية. سمه موضوعية أو تحيزا، كما هو حال كل الصحف وكل الصحافيين، في الشرق أو الغرب. إلا أن أحدا لا يستطيع أن يلوم صحيفة على خطها التحريري. هذا خيار من حقها ممارسته. الذي لا يروق له هذا الخيار، يقاطع الصحيفة وينتهي الأمر.
لكن الخط التحريري ليس خيارا متاحا، على الأقل نسبيا، لوكالات الأنباء العالمية. لا شك أن الوكالات الكبرى تظهر تحيزات مكشوفة وباطنية. التحيز المكشوف مثلا لا يمس تفاصيل الخبر، بل طريقة التركيز عليه وتقديمه على الأخبار الأخرى. وكالة مثل رويترز تقدم الخبر بمركزية غربية عموما، وتركيز يصل إلى حد المبالغة في النظر إلى أهميته بمقياس البيت الأبيض أو وزارة الخارجية البريطانية. أخبار مهمة تمر مرور الكرام في نشرة رويترز، فقط لأنها ليست غربية. نفس الشيء يقال عن وكالة الصحافة الفرنسية، ولكنها تهتم بالخبر من وجهة نظر أميركية أو بريطانية، غير أنّ حصة فرنسا فيها حاضرة بقوة.
التحيز الباطني متروك للتفسيرات. في الكثير من الأحيان يعمد مراسلو وكالات الأنباء إلى تمرير بعض المعلومات أو المواقف. يمكن أن تنسب إليهم، لكن من الوارد أن تكون هذه المواقف جزءا من الخط التحريري غير المعلن. الموضوعية هي شعار الوكالات العالمية، والأمر متروك لتقدير القارئ.
الوكالات الوطنية عادة ما تهتم بالخبر المحلي. لكن بعضها، وخصوصا تلك التي تتبع دولا ذات مشاريع إقليمية أو دولية، تتجاوز المحلي لتنافس على حصة في الخبر الإقليمي أو العالمي؛ أي أنها تقدم نفسها كمصدر موضوعي للخبر. وسواء أكان هذا صحيحا أم خاطئا، فإن عليها، وعليها فقط، يقع عبء إثبات الموضوعية.
متى يقع المحظور بالنسبة إلى مثل هذه الوكالات التي تسعى لأن تتجاوز دورها في تقديم الخبر الوطني إلى العالمية؟ يقع عندما تغير الدولة الراعية للوكالة موقفها من قضية أو قضايا، أو من دولة أو دول. دولة “عدوة” تصبح صديقة، فيصير موقف الوكالة جزءا من تسويات سياسية بين الدول المعنية. وتختفي نوعية معينة من الأخبار حول جماعة سياسية، أو يضمحل الاهتمام بها. اختفاء موضوع من على شاشات رادار الوكالة لا يختلف كثيرا عن الانقلاب عليه وتقديمه بطريقة مختلفة؛ فالصمت يكشف ما لا يكشفه الحديث في الكثير من الأحيان.
في دردشة مع الزملاء في قسم التحرير، ترددت ملاحظة عن انكماش تغطيات الوكالات الإخبارية “العالمية” التابعة للدولة التركية؛ تصالحت أنقرة مع أبوظبي، فاختفى الخبر الإماراتي. زار الرئيس التركي السعودية، فتبخرت تصريحات خديجة جنكيز خطيبة جمال خاشقجي من التغطيات الخبرية.
بعد تصريحات رجب طيب أردوغان الأخيرة عن بشار الأسد وإمكانية لقائه، لا ننتظر إلا إعادة تأهيل النظام السوري ورئيسه خبريًّا. توفي يوسف القرضاوي في توقيت مناسب جدا لتركيا وإعلامها. جبهة نشاط الإخوان هادئة أكثر من اللازم إخباريّا. ثمّة موضوعية من نوع مختلف تتحقق بالتجاهل أو النسيان.