رقص في المولد النبوي

أثار فيديو يروّج على مواقع التواصل الاجتماعي يصور حفلة رقص ضمن برنامج الاحتفال بالمولد النبوي بمدينة القيروان التونسية ضجة كبيرة. والسبب أن الحفل تضمن مجموعة راقصات يشاركن في “الحضرة” التي هي احتفاء صوفي يتم في المناسبات الدينية عادة.
وأعاد مخرجون تونسيون في السنوات الأخيرة إحياء حفل الحضرة الصوفي بأشكال جديدة وباستعمال تقنيات موسيقية عصرية، لكنهم في الغالب حافظوا على أهم عنصر، وهو أن هذا الحفل يقتصر على الشطح الرجالي، وهي خاصية تعبر عن مقاييس الثقافة العربية القديمة التي ظلت فيها النساء على الهامش. صوفية رجالية ليست من حق النساء.
والحضرة حفل للذكر يقوم على توظيف الجسد سواء في حالة الجلوس أو الوقوف يتماهى فيه المنشد/الراقص مع الذكر إلى درجة فقدان السيطرة على النفس والغياب والتماهي مع المعشوق الممدوح الذي هو الله أو الرسول محمد (ص) في حال الاحتفاء بالمولد النبوي.
ذهبت ردود الفعل على مواقع التواصل التي يسيطر عليها الإسلاميون إلى مستويات مختلفة، هناك فئة تعتقد أن الاحتفاء حرام مطلقا بالحضرة أو الرقص أو حتى عصيدة الزقوقو التي تتنافس العائلات التونسية في إعدادها خلال المولد النبوي. هذه النظرة تنظر إلى كل احتفاء على أنه حرام لموقف واضح، فهي ترى للدين واجهة واحدة، وهي الجدية والتحسب ليوم القيامة، وأن الطريق إلى ذلك يمر عبر الشدة والخشونة، وهي المقاربة التي وفرت الحاضنة لظهور التيارات المتشددة والإرهاب الذي يقتل المختلف.
هناك فئة ثانية تقف في المنتصف وتقول إن الاحتفاء حلال، ولكنها تهاجم منظمي الحفل والهيئة المشرفة عليه بسبب مشاركة راقصات لا تبدو على لباسهن الجدية التي تستدعيها المناسبة، وهي نفس المقاربة المتشددة السابقة مع قليل من “الانفتاح”.
ويذهب المهاجمون للحفل إلى نظرية المؤامرة مهاجمين جهات مجهولة بأنها تعمل على “تدنيس” المناسبة الإسلامية وتمييع المعنى الأخلاقي الذي يرافقها.
لكن المقاربة في عمقها تظل هي نفسها، وهي أن الاحتفاء بالمناسبات الإسلامية يجب أن يظل حكرا على من يفهمون الدين على أنه شدة وغلظة وغلاظة في الطبع، دين ملتزم ومتصادم مع فكرة الحياة والفرح والرقص والموسيقى.
وهذه هي المقاربة التي جاءت بها الصوفية في مواجهة الفتاوى الرسمية. مقاربة تجعل الدين حالة من الانتشاء والصفاء لدى الشيخ كما لدى المريد يتحرر فيها من التكليف المباشر بحثا عن المعنى العميق في علاقته بالله أو بالرسول أو بالأولياء الصالحين. وشمل هذا التحرر ابتداع أشكال خاصة للتقرب والعبادة وعلى رأسها الحضرة.
يا ناس اتركوا الناس تفرح بالدين وتجعله عنصرا مشجعا لها على الحياة جالبا للفرح، وكفوا عن الجزر والنهي.