هل يحتاج عالم اليوم إلى خريجين أكثر أم إلى مزارعين أكثر

يدخل الملايين من الأطفال حول العالم إلى المدارس كل عام محملين بأحلام آبائهم التي عجزوا عن تحقيقها في أن يصبحوا أطباء ومهندسين ولمَ لا طيارين أو رائدي فضاء.. تتحول أحلام الآباء تاليا إلى الأبناء، ثم يريد كل خريج فشل في الالتحاق بالتخصص المطلوب أن يكون في وظيفة ذوي الياقات البيضاء.. لا أحد يريد أن يكون من ذوي الياقات الزرقاء.
ثم بالمحصلة الملايين من الخريجين العاطلين عن العمل.. والتفكير.
تؤكد إحصائيات أن حوالي 53 في المئة من الخريجين الجدد في الجامعات في العالم عاطلون عن العمل. في تونس مثلا نحو 10 آلاف خريج جامعي طالت بطالتهم لأكثر من 10 أعوام يطالبون الدولة بتوظيفهم.
يمكن أن يوصف عصر التعليم العالي حول العالم على مدى الثلاثين سنة الماضية بـ”عصر التوسع العشوائي”.
على مدار الثلاثين عامًا، رأى الآباء والشباب في التعليم العالي الطريق الوحيد للأمان الوظيفي والنجاح في الحياة. تحول التعليم العالي من كونه سلعة إنتاجية إلى سلعة استهلاكية.
◙ لا يزال معظم الشباب عالقين في الماضي باعتبار الزراعة وظيفة دون المستوى لأسباب ثقافية واقتصادية وهيكلية متنوعة، يبحث عدد قليل نسبيًا من الشباب عن وظائف في الزراعة
اليوم يستيقظ العالم على “القنبلة الموقوتة” لبطالة الشباب من المدن الأفريقية الفقيرة إلى المدن الأوروبية الغنية ووجب التعامل مع هذه القضية بجدية مثل الكوارث الإنسانية والجهود العالمية للقضاء على الأمراض ومقاومة التغير المناخي.
كانت هذه هي النتيجة الحتمية للتوسع الخادع خلال الثلاثين عامًا الماضية من التعليم العالي استنادًا إلى نموذج كلاسيكي واحد: الأكاديمي العام. لا يختلف الأمر في العالم الغربي عن العالم العربي في هذه الجزئية تحديدا.
لقد وفّر التعليم الجامعي تعليمًا أكاديميًا عامًا بدلاً من التدريب القائم على المهارات، باستثناء الدرجات المتخصصة مثل الطب والقانون والهندسة والمحاسبة.
كانت النتيجة وفرة غير مسبوقة من الطلاب المدربين أكاديميًا ممن ليست لديهم مهارات مفيدة.. وفي خضم كل هذا تلاشي التعليم الفني مع أزمة المهارات الناتجة في الحلقة المفقودة.
إذن، ما الحل؟ هل الأمر يتعلق فقط بإضافة المزيد من التعليم أو تحسين جودته؟ أم أنه يتعلق بتقليص التعليم العالي وزيادة التدريب عبر ربط المهارات بمتطلبات العمل؟ أم أنه يجب تقديم نوع مختلف من التعليم والتدريب الذي يركز على مهارات أخرى بخلاف المهارات المعرفية؟ أم أنه كل ما سبق؟
لا شك أن العالم في حاجة إلى أن تزدهر الجامعات البحثية الكبرى، وأن تستمر في جذب تدفقات كبيرة من الطلاب المميزين. لكن عوض ذلك توسع نوع معين من الجامعات التقليدية بشكل عشوائي للغاية. والعالم يدفع الآن الثمن.
لقد أدى تدني جودة أنظمة التعليم والتدريب وعدم ملاءمتها لسوق العمل إلى أن اعتبرها أرباب العمل بشكل خاص عقبة، أكثر منها وسيلة، للحصول على وظائف جيدة.
يخصص المجتمع الموارد لتعليم أفراد لا تنتج عنهم قيمة اقتصادية يرغب بها أصحاب العمل. بدلاً من ذلك، سيكون أفضل حالًا إذا أنفقت الأموال على تدريب هؤلاء لاكتساب مهارات لضمان قدرتهم على العثور على عمل مناسب بعد التخرج، بدلاً من التعليم الأكاديمي العام.
وقد وجدت دراسة لليونسكو أن المرء يحتاج إلى ثلاثة أشياء ليصبح عاملاً قادرًا على تلبية متطلبات أصحاب العمل، وهي المعرفة والمهارة والسلوك. من بين هذه المتطلبات تمثل المعرفة 4 في المئة فقط والمهارات 26 في المئة والسلوك 70 في المئة.
وتوفر الزراعة اليوم مثلا بديلا جيدا عن البطالة إنها أشبه بنزع فتيل القنبلة.
◙ إحصائيات تؤكد أن حوالي 53 في المئة من الخريجين الجدد في الجامعات في العالم عاطلون عن العمل
تزدهر أسواق الغذاء على مستوى العالم وقد أدت الاتجاهات الحديثة في نمو الدخل والتحضر والنظام الغذائي إلى ارتفاع حاد في الطلب على الغذاء. وبالتالي أصبح عالم اليوم يحتاج مزارعين أكثر من خريجين عاطلين لا ينتجون شيئا.
ولا يزال إنتاج الأغذية الزراعية يلعب دورًا مهمًا من حيث الناتج المحلي الإجمالي والعمالة والاستدامة البيئية. عند تنفيذ النظام الغذائي المحلي بنجاح، يمكن أن يكون لذلك تأثير إيجابي على ثلاثة مستويات حرجة: الاستدامة البيئية والجدوى الاقتصادية والعدالة الاجتماعية. العمل على هذه المستويات الثلاثة الحاسمة يولّد فرصًا للعمال الشباب لبدء أعمال جديدة وخلق وظائف مؤهلة وتحسين نوعية حياتهم ورفاهيتهم وتقوية شعورهم بالانتماء ودمجهم في المجتمع.
رغم ذلك لا يزال معظم الشباب عالقين في الماضي باعتبار الزراعة وظيفة دون المستوى لأسباب ثقافية واقتصادية وهيكلية متنوعة، يبحث عدد قليل نسبيًا من الشباب عن وظائف في الزراعة. رغم أن تقريرا جديدا نشرته جامعة ديكين في أستراليا توصل إلى تحديد 100 وظيفة مطلوبة في المستقبل. نظر مشروع البحث على وجه التحديد إلى مستقبل العمل في مجتمع تحركه التكنولوجيا بشكل متزايد واستكشف الاتجاهات والتغييرات الرئيسية في الصناعات الرئيسية. ووجد أن أربع مجالات مرتبطة بالزراعة حلت الأولى على القائمة، وفي النهاية، يعتمد الأمر على نوع المهنة التي تريدها في الزراعة.
بالنسبة إلى معظم الوظائف على مستوى المبتدئين، لا تحتاج إلى مؤهل محدد. يتم تدريس جميع المهارات والمعرفة التي تحتاجها للتميز في هذا المجال من خلال الخبرة العملية، مما يعني أن التدريب المهني سيكون كافياً لبدء العمل في وظيفة أحلامك.. الزراعة.
قس على الزراعة كل المهارات الأخرى التي توفر الوظائف. يحتاج شباب اليوم إلى جهد متضافر لفصل الأسطورة عن الحقيقة وتعزيز قيمة المهارات من أجل وظائف مُرضية ومؤثرة.