إعلاميون رُحّل

تراجعت البرامج السياسية التي كانت تسيطر على البلاتوهات التلفزيونية والإذاعية. وللتغطية على غياب هذه البرامج التي كانت تجلب المشاهدين والمستمعين خلال فترة الصراعات السياسية قبل عامين، بدأت الفضائيات والإذاعات التونسية تبحث عن بدائل، خاصة بعد أن فقد تلفزيون الواقع بريقه وملّ الناس من متابعات برامج في ظاهرها تهدف إلى حل المشاكل وفي باطنها تخرج أسرار العائلات إلى العلن وتحويلها إلى مادة للحكي والترويج على مواقع التواصل.
ربما كانت تلك البرامج موضة تعلق بها الناس ثم ملّوها، ويبحثون عن الجديد. لكن ماذا سيكون هذا الجديد إذا كانت البرامج هي نفسها مع اختلافات جزئية، اختلاف في أسماء المنشطين وعناوين البرامج، لكن المحتوى هو نفسه؛ القليل من الصراخ، والقليل من النكت الساذجة على طريقة التيك توت، على قليل من الإغراء لم يعد جذابا قياسا بنوعية المشاهدين.
من بقي يشاهد التلفزيون غير العائلات التي تجتمع بعد يوم من التعب في مسعى للحفاظ على قليل من الحرارة في العلاقات بين أفرادها. هذه النوعية من المشاهدين تريد برامج هادئة ومحافظة وتشد الانتباه بمواضيعها، وهو أمر لم يعد ممكنا بعد غياب البرامج السياسية، وتراجع البرامج الرياضية بسبب حقوق البث.
كيف يمكن أن تلفت التلفزيونات الأنظار لفئة محدودة من الجمهورية يمكن وصفها بالتقليدية، خاصة أن الشباب لم تعد تعنيه التلفزيونات، فله عالمه الخاص على مواقع التواصل المختلفة، وفي الألعاب الإلكترونية.
تحاول الإذاعات والتلفزيونات أن تغير طاقمها وخاصة المنشطين، والبحث عن منشطين ومنشطات لديهم حضور كبير وجمهور على إنستغرام خاصة من الشابات حتى وإن كنّ بلا خبرة على أمل استعادة الجمهور الذي هرب وساهم في تدني المشاهدة وخسارة الإعلانات.
وحصل في الأسابيع الأخيرة ما يشبه المضاربة في الأسواق، حيث سعت فضائيات وإذاعات لإغراء منشطين منافسين للحاق بها وبنفس الفكرة وعنوان البرنامج على أمل أن تجلب الجمهور الذي كان يتابع هذا المنشط أو ذاك ومن ممكن أن صارت لهم خبرة وشبكة علاقات في مجالات عدة تمكنهم من جلب الضيوف وخاصة الإعلانات.
عنوان الموسم الجديد في الإذاعات والتلفزيون يمكن وصفه بموسم الإعلاميين والمنشطين الرُحّل في ساحة محدودة ومغلقة على نفس الوجوه ونفس الأفكار.
هناك منشطون يتنقلون كل عام من إذاعة إلى أخرى شعارهم من يدفع أكثر وسط انتقادات واسعة لنوعية البرامج المقدمة التي تقوم على فكرة الترفيه والنقاشات العشوائية حول تفاصيل صغيرة، فضلا عن نكات أقرب إلى الابتذال بدل البحث عن برامج تجلب اهتمام الناس في وضع اقتصادي واجتماعي صعب.