سمير فرج جنرال ومثقف يتابعه مصريون للتعرف على التوجهات العسكرية

تركت توقعات الخبير العسكري والإستراتيجي المصري اللواء سمير فرج بشأن مستقبل الحرب الروسية - الأوكرانية حالة من التشاؤم لدى الواثقين في قدرة الرجل على الاستشراف، حيث اعتاد أن يتحدث ويحلل وفق تقديرات دقيقة، غالبا ما تتحقق على أرض الواقع بعد فترة وجيزة.
وقال الجنرال فرج في إحدى مداخلاته الإعلامية قبل أيام إن ”الولايات المتحدة تخطط لإطالة أمد الحرب الروسية مع أوكرانيا، لإنهاك موسكو من الناحية الاقتصادية، وخلال الأشهر الثلاثة المقبلة سيتغير شكل المنطقة بالكامل، بل العالم أجمع، لما سوف تسببه تداعيات الحرب من خسائر فادحة لكل الدول”.
بين واشنطن وموسكو

ثقة فرج بنفسه توحي للرأي العام بأنه يشارك في الاجتماعات التي تناقش كل ملف بعينه، لذلك ينظر له أحيانا على أنه حلقة وصل بين السلطة بمؤسساتها ورجل الشارع
شدد فرج على أن خطورتها تنبع من أنها حرب عالمية بامتياز، تدور رحاها بالوكالة بين واشنطن وموسكو، وتستخدم الحرب لإنهاك القوتين الكبيرتين اقتصاديا وعسكريا.
ولأن الرجل اعتاد أن يستشرف المستقبل بحنكة العسكري المخضرم، عزز رؤيته بشأن تغير المنطقة والعالم في الأشهر الثلاثة المقبلة بوقائع محددة، بحكم الأوضاع الراهنة داخل أميركا وروسيا ودول الاتحاد الأوروبي، وشعوبهم.
يؤكد الجنرال المصري أن الولايات المتحدة على موعد مع انتخابات التجديد النصفي للكونغرس في الثامن من نوفمبر المقبل، وسيعاد انتخاب أعضاء مجلس النواب مقابل ثلثي أعضاء مجلس الشيوخ، كما تشمل الانتخابات مناصب 39 حاكم ولاية أميركية.
ولأن نتائج انتخابات الكونغرس مؤشر على انتخابات الرئاسة بعد عامين ويطمح جو بايدن في الفوز بفترة رئاسية ثانية، تحرص إدارته على اتخاذ القرارات في هذه الفترة بحساسية شديدة، حتى لا تؤثر أيّ إخفاقات على قرار الناخب الأميركي، لاسيما ما يتعلق بالحرب الروسية وملف الغاز المشتعل بين واشنطن وموسكو.
بدأت روسيا، حسب فرج، في تغيير إستراتيجيتها بإطالة زمن الحرب حتى دخول الشتاء، حيث تظهر احتياجات أوروبا للغاز لتدفئة المواطن الأوروبي، هكذا ستصبح الأشهر الثلاثة القادمة حتى وصول الشتاء أداة ضغط من روسيا على الدول الأوروبية، من وجهة نظر فرج، حيث تبدأ شعوبها في الغضب والتذمر والخروج للاحتجاج، كما حدث في العاصمة التشيكية أخيرا، وهي معركة سوف ينعكس تأثيرها على العالم بأسره.
واستخدمت أغلب وسائل الإعلام المصرية حديث فرج لتبرير الأزمات الاقتصادية المتوقعة الفترة المقبلة، كجزء من سياسة رفع العبء عن الحكومة المصرية إذا قررت اتخاذ إجراءات قاسية، كتحريك الأسعار أو فرض المزيد من التقشف، لعبور السيناريوهات المستقبلية التي تنذر بالتشاؤم، وإذا تحدث أيّ مسؤول مصري عن سوء الأوضاع خلال أسابيع يعد كلامه مقبولا.
يصنف فرج ضمن الخبراء العسكريين الذين يتحدثون عندما تتوافر لهم معلومات تدعم رؤاهم، وهو من الشخصيات الموثوق بها من قبل المؤسسة العسكرية المصرية، على الرغم من إحالته إلى التقاعد منذ نحو عقدين.
فقربه من دوائر صناعة القرار في السلطة بحكم خبراته السابقة، وقدرته على التسويق للقرارات الرسمية بحكمة وحنكة وتبرير توقعاته بشكل منطقي، جعلاه واحداً من أبرز منظري الجيش المصري في القضايا الإستراتيجية.
مع كل أزمة لها أبعاد أمنية أو حتى سياسية يكون فرج ضيفا على بعض وسائل الإعلام المصرية ليتحدث عنها، بالتحليل واستشراف مستقبلها، لأنه أحد العارفين ببواطن الأمور ومفاتيح القرار، ويملك قاعدة علاقات قوية داخل أجهزة السلطة في مصر، لذلك منحه الرئيس عبدالفتاح السيسي ثقة ظاهرة لزيادة انتشاره إعلاميا.
يمتلك مهارة في مخاطبة الجمهور المتشوق للمعلومات والتحليل الواقعي للأزمات الراهنة، فهو عسكري مثقف، ويكتب بانتظام في العديد من الإصدارات الصحافية بمصر، ويتسم أسلوبه بالرشاقة وربط الأحداث مع بعضها بطريقة سلسة، وأصبح له جمهوره الخاص الذي ينتظر مقالاته، وأكثر ما يستهوي متابعي فرج أنه قارئ جيد للتاريخ.
فرج والسيسي
هناك روابط كثيرة مشتركة بين الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي وفرج، فبعيدا عن كونهما ينحدران من مؤسسة عسكرية واحدة، ففرج كان قائدا سابقا للسيسي في أحد الكتائب العسكرية، وحينها كان الرئيس الحالي برتبة ملازم، لذلك يعتبره أستاذه ومعلمه في الكثير من النواحي الإستراتيجية وتقديرات المواقف، وطريقة الخروج من الأزمات، وحُسن التصرف وقت المشكلات.
خلال ندوة تثقيفية نظمتها الشؤون المعنوية بالجيش المصري في أكتوبر الماضي، حكى سمير فرج واقعة لأول مرة أمام قادة المؤسسة العسكرية، وهي أن السيسي، حين كان تحت قيادته، تميز بشخصية القائد، وقد منحه فرج تقدير امتياز في تقريره السري الذي رفعه للقيادة عن ضباط الكتيبة، ورد السيسي وقتها بأنه لا يزال يفتخر بعمله تحت قيادة فرج، لحنكته وحكمته ورؤيته الإستراتيجية وتقديرات مواقفه المثالية.
يشعر المتابع لتصريحات الجنرال فرج وكتاباته للوهلة الأولى أنه مطلع على كل التقارير الإستخباراتية المرتبطة بالقضايا السياسية والاقتصادية والتحديات العسكرية، ويتحدث أحيانا بطريقة توحي بأنه ناطق بلسان الجيش والسلطة، فيروي تفاصيل دقيقة، ويتطرق إلى معلومات عن تحركات مستقبلية، وإن كانت غالبا مبنية على توقعات أكثر منها معلومات، لكنها تحمل نبوءة بما سوف يحدث على أرض الواقع.
وظائف عسكرية ومدنية
إذا سُئل عن الأزمة الليبية يقول إن مصر سوف تفعل هذا وتتحرك في هذا الاتجاه، حتى لو كان الأمر مرتبطا بنواحٍ عسكرية، وإذا طُرح عليه سؤال يتعلق بالموقف المصري من أزمة سد النهضة الإثيوبي يلمّح إلى إجراءات بعينها ستتخذها الدولة، ويحدد رؤيتها في التحرك أو يشير إلى قرارات أخرى تتخذ في حينه.
توحي ثقته بنفسه للرأي العام بأنه يشارك في الاجتماعات التي تناقش كل ملف بعينه، لذلك ينظر له أحيانا على أنه حلقة وصل بين السلطة بمؤسساتها ورجل الشارع.
وإذا كان البعض من العسكريين لا يجيدون لغة التحدث إلى الجمهور بحكم التركيبة الأمنية أو افتقادهم للحس السياسي، فإن سمير فرج، الشغوف بالفنون والثقافة والكتابة الصحافية، يدرك جيدا قيمة الكلمة وقوة تأثيرها ويعرف متى يتحدث ومتى يصمت، وبأيّ طريقة يقول المعلومة أو يُدلي بالرأي والتحليل، ويكتب كأنه ولد صحافيا، وأدى اختلاطه بالعمل المدني في العديد من الفترات لتمكينه من أن يصبح قريبا من لغة الشارع.

الرئيس السيسي يحتفظ لفرج بمكانة خاصة، فقد كان قائداً له حين كان برتبة ملازم، لهذا يعتبره أستاذه ومعلمه في الكثير من النواحي الإستراتيجية وتقديرات المواقف
رأس فرج من قبل إدارة الشؤون المعنوية بالقوات المسلحة، قبل أن تسند إليه رئاسة دار الأوبرا المصرية ليحقق فيها سلسلة من الإنجازات تمثلت في الارتقاء بالفنون والثقافة من خلال إعادة افتتاح معهد الموسيقى العربية بعد سنوات طويلة من الإغلاق، وتطوير متحف الأوبرا وإنشاء متحف خاص لمقتنيات الموسيقار الراحل محمد عبدالوهاب وإحياء حفلات أوبرا عايدة.
وتولى الكثير من المناصب المدنية القريبة من الثقافة والفنون، حيث عمل من قبل رئيسا للمجلس الأعلى لمدينة الأقصر عام 2004، قبل أن يصبح محافظا للأقصر، ويقوم بتنفيذ العديد من المشروعات التنموية المرتبطة بالسياحة، وإنشاء أول مكتبة متخصصة لعلوم المصريات في الشرق الأوسط.
وكان ممثلا للمؤسسة العسكرية في الكثير من المناصب التي تولاها مدنيا، حيث ترك بصمات لا تزال تحسب له، وكان مسؤولا لا يتهاون مع من يرتكب خطأ، ولا يعترف بالفرصة الثانية للمخطئ، ويعشق الانضباط والدقة ويعادي الانفلات لإدراكه دائما أن المسؤول الذي يحمل اسم القائد العسكري وصفته يجب أن يكون منضبطا في كل تصرفاته، حتى لا يسيء إلى المؤسسة التي ينتمي إليها.
ولد فرج في مدينة بورسعيد، في شمال شرق القاهرة، وتخرج في الكلية الحربية عام 1963 في سلاح المشاة، وشارك في حرب اليمن وفي حربي الاستنزاف وأكتوبر ضد إسرائيل، وكان وقتها أصغر ضابط بغرفة عمليات
إدارة حرب أكتوبر 1973، ولأنه شغوف بحب الاطلاع والتعمق في الشؤون العسكرية، التحق بكلية كمبرلي الملكية لأركان الحرب في إنجلترا عام 1974، وهي واحدة من أعرق كليات القادة والأركان في العالم، وكان تفوقه في الدراسة سببا في تعيينه أول مدرس بالكلية من خارج حلف الناتو.

مناظرته الشهيرة مع شارون على شاشة "بي .بي. سي" حول حرب أكتوبر، انتهت لصالحه بثمانية نقاط مقابل أربع لممثل جيش إسرائيل
وقتها كان الجنرال آرييل شارون من خريجي الكلية مع إسحاق رابين وبنيامين بن إليعازر وغيرهم من القادة العسكريين في إسرائيل، واختير فرج من التلفزيون البريطاني “بي .بي. سي” ليشارك في مناظرة على الهواء مع شارون حول حرب أكتوبر، ووافقت قيادة الجيش المصري على ذلك، على الرغم من أن فرج كان وقتها ضابطا برتبة رائد، لكن القادة العسكريين في القاهرة وثقوا بقدراته، وحينها انتهت المناظرة لصالحه بثمانية نقاط مقابل أربع لممثل جيش إسرائيل.
أصبح بعد ذلك من العسكريين الذين يتم ترشيحهم من قادة الجيش في مصر للرد على استفسارات الإعلام الدولي، وما صقل مهاراته التحاقه بكلية الآداب قسم التاريخ بجامعة عين شمس، وهو ضابط في الجيش، وبعد ذلك حصل على دبلوم إدارة الأعمال من الولايات المتحدة، ثم نال الدكتوراه في رسالة حملت عنوان “دور الإعلام في الدفاع عن الأمن القومي”، وهو ما يفسر اهتمامه بالتواصل مع الإعلام.
انعكست خبراته العسكرية والإعلامية على إدارة الشؤون المعنوية بالقوات المسلحة عندما تولى رئاستها في تسعينات القرن الماضي، حيث شهدت تطويرا مؤسسيا لمستوى تواصل مؤسسة الجيش مع وسائل الإعلام المحلية والدولية، وأنشأ مركزا إعلاميا يعتمد على التقنيات العالمية، وتأسست في عهده أول مطبعة خاصة للقوات المسلحة لطباعة صحف الجيش منها الجريدة الخاصة، وتطوير قدرات الإعلاميين العسكريين بدورات تدريبية متخصصة في القضايا الإستراتيجية.
لذلك، لا يزال فرج يصنف بأنه الجنرال الذي نجح في كسر الحاجز النفسي بين العسكريين والفنون والثقافة والإعلام والإبداع، ومزج بين كل هذه الصفات في شخصية واحدة ليصبح حالة استثنائية لجنرال نجح في أن يحظى بثقة وتقدير كل من رأس السلطة في بلاده، واهتمام ومتابعة من بعض الدوائر الخارجية التي تريد التعرف على الرؤى والتوجهات المصرية بشأن القضايا العسكرية.