تشاءموا بالأزمات تأتكم

التشاؤم ثقافة شعبية تنظر دائما إلى النصف الفارغ من الكأس وليس النصف الممتلئ.
الأحد 2022/08/28
التهويل خاصية مجتمعية تونسية

يسير الكثير من الناس عكس المنطق. وبدلا من أن يطبقوا قاعدة “تفاءلوا بالخير تجدوه”، فإنهم يغرقون في التشاؤم ويستقدمون الأزمات فتأتيهم عاجلا أم آجلا. هكذا هي طباعهم؛ لا يرون في الأفق سوى السواد ويرتاحون حين يزرعون حواليهم مشهدية للخوف من المستقبل.

خلال الجائحة، وحين كانت تونس تقاتل بإمكانياتها المحدودة لمواجهة الفايروس وتقليل الخسائر، وتقدم وزارة الصحة صباح مساء نقاطا إعلامية لتقديم أعداد المتضررين والضحايا، كان ثمة طبيب يظهر باستمرار على وسائل الإعلام التونسية ليقول إن تونس ستفقد مئات الآلاف من الموتى بسبب الفايروس، ويهون من خطة الدولة وإمكانياتها، وظل يردد نفس القراءة السوداوية إلى حين انتهت الأزمة وكذبت نبوءاته.

لم يكن هو المتشائم الوحيد. وسائل الإعلام كانت تستدعيه لأنها تعتقد أن “السبق الصحفي” يقوم على إشعار الناس بالرعب وليس طمأنتهم، وكانت أشرطة الفيديو التي تتضمن نبوءات هذا الطبيب تنتشر بشكل واسع على مواقع التواصل، ما يظهر أن التشاؤم ثقافة شعبية تنظر دائما إلى النصف الفارغ من الكأس وليس النصف الممتلئ.

في الأيام الأخيرة، وبالرغم من أن الحكومة تقوم بما في وسعها لتأمين الحاجيات الأساسية في ظل الأزمة الغذائية، ورغم أن التوزيع يتم بشكل سلس في الغالب، فأنت حين تطلع على ما تقدمه مواقع التواصل الاجتماعي تشعر وكأن البلاد قد عادت إلى أيام المجاعة و”عام الجراد” و”عام بوبراك”، وهي تواريخ تونسية قديمة عن سنوات الجوع بعد الحرب العالمية الثانية.

لا تسمع ولا تقرأ أو تشاهد سوى أخبار وصور فيديوهات عن الصفوف الطويلة لشراء الخبز والقهوة ولحم الدجاج وشرائح السكالوب وحول المزودين بالغاز وبالبنزين، وأخبار الكتبيين والارتفاع الكبير في أسعار الكراس والكتب والأقلام والبلاد على أبواب عودة مدرسية وجامعية. كل هذا يشجع المحتكرين على إخفاء المنتجات وتنزيلها بأعداد محدودة وأسعار مرتفعة.

أحد “الخبراء” يقول إن تكاليف هذه العودة على كل تلميذ في الابتدائي ستكون في حدود 800 دينار (حوالي270 دولارا)، وهو رقم مبالغ فيه بكل المقاييس. هذه التسريبات وهذا التهويل كلاهما خاصية مجتمعية تونسية.

حين تحدث جريمة ما، فإنك تقرأ عنها روايات كثيرة كلما مرّ الوقت تضخمت أكثر؛ فمثلا إذا سقطت في الحادث ضحية واحدة، فإن كل راو من الرواة يزيد من عنده إلى أن يصل عدد الضحايا إلى خمس ضحايا أو ست.

منذ أيام، وفي ظلة موجة الترويج لـ”الحرقة” والهروب من تونس لكونها لم تعد بلادا يستطاب فيها العيش، روى الناس قصة عن غرق أستاذة مع ابنها الصغير في رحلة الهروب عبر البحر وبقارب صغير، وجاءت روايات كثيرة وقصص لا أول لها ولا آخر في وصف الحادث وتبريره بمنطق التشاؤم والتخويف من المستقبل.

20