وزيرة السعادة وثقافة البلادة

الصراع على نجاح أنس جابر يظهر أن المجتمعات الفارغة هي مجتمعات تتعلق بأيّ نجاح وتحاول أن تجعله الشجرة التي تخفي غابة العجز الجماعي.
الأحد 2022/07/17
ليس في الاستقبال الرسمي أيّ عيب

مسكينة أنس جابر، لقد ضيّق عليها نهائي ويمبلدون حياتها. وبين عشية وضحاها، تحول النجاح إلى ما يشبه الكابوس، حيث استقبلها وزير الرياضة في المطار، ومعه المئات من المعجبين، وهات يا صور، وأوتوغرافات، والمسكينة ضاحكة مستبشرة بفرح الوزير وجمهور الوزير الذي بالغ في السيلفيات معها.

لم يقف الأمر عند السيد الوزير، فقد استقبلها رئيس الجمهورية قيس سعيد في قصر قرطاج وقدم لها وسام الاستحقاق من الصنف الأول، ثم احتفوا بها في افتتاح مهرجان قرطاج، وجلبوها صباح اليوم الثاني إلى شارع الحبيب بورقيبة ليحتفوا بنجاحها. وقد يجلبونها إلى مناسبات أخرى؛ في تدشين جامعات أو معاهد أو مشاريع صناعية، أو في حفلات عائلية. صار السياسيون، بيمينهم ووسطهم ويسارهم، يصدرون تدويناتهم على فيسبوك بالإشادة بنجاحات أنس جابر، وينشرون التهاني لها. وكل واحد يوحي بأنها ابنة حزبه أو جمعيته وناديه، ويوجه رسالة مباشرة وكأنه يعرفها، أو حضر مبارياتها أو تدريباتها.

ليس في الاستقبال الرسمي لها أيّ عيب، وهو تقليد في بعض الدول، وكان يمكن أن يقف الأمر عند توسيمها من الرئيس قيس سعيد وبحضور وزير الرياضة لتأكيد أن الدولة تدعم المتميزين في الرياضة وغيرها.

لكن محاصرة المرأة واستثمارها في السياسة والرياضة والنسوية والفن والإعلام أمر مبالغ فيه. وإذا تكررت هذه الحركات أكثر من مرة فقد تطفش وتغادر البلاد وتستقر في دولة أخرى، وهذا ممكن لرياضية ناجحة مثلها.

والمثير أن وزيرة السعادة كما يسمّيها التونسيون صارت مادة للجدل على مواقع التواصل الاجتماعي، وهو جدل يختلق لنفسه كل مرة شكلا ولونا. البعض يقول إنها قالت “نعم”، وفي ذلك إشارة واضحة لدعمها الاستفتاء على الدستور، والبعض الآخر يقول إنها ردت في شريط فيديو لتتبرأ من هذا التأويل، وأنها رياضية تنأى بنفسها عن السياسة.

وأنس أيضا واجهة معركة نسوية بين من يصنفن أنفسهن تقدميات وحداثيات، ويعتبرن أن “وزيرة السعادة” هي نتاج طبيعي لثقافة بورقيبة وميراثه في تحرير المرأة، ونسوية مقابلة تريد أن تسطو على ميراث هي بعيدة عنه في الشكل على الأقل.

الصراع على نجاح أنس جابر ومحاولة تجييره لهذا الطرف أو ذلك يظهر أن المجتمعات الفارغة التي لا تنتج ثقافتها غير الجدل والعراك على تفاصيل هامشية، والتي تبحث شعوبها عن قطف نتائج لم تعمل للحصول عليها، هي مجتمعات تتعلق بأيّ نجاح وتضخّمه وتحاول أن تجعله الشجرة التي تخفي غابة العجز الجماعي.

عجز وليد ثقافة قائمة على التواكل والإرجاء والصراخ والبلادة الذهنية في مقابل ثقافة الآخر القائمة على الثقة بالنفس وتقديس قيمة العمل، الذي وحده يخرج الإنسان من حالة الاغتراب التي يعيشها.

فحذار فإن ثقافة البلادة قد تخنق وزيرة السعادة.

20