صدمة السروال والألف سؤال

نشرت أستاذة تونسية منذ مدة قصة طريفة حصلت لها في أحد الأعوام حين كانت تستعد لدخول حصة مراقبة امتحان الباكالوريا.
قالت إن المشرفين على الامتحان أوقفوا، دقائق قبل فتح الظرف الذي يوجد بداخله موضوع الامتحان، تلميذة ومنعوها من الدخول لأنها تلبس سروالا مقطعا من سراويل الموضة هذه الأيام، وأن البنت المسكينة فوجئت بالمنع وارتبكت ولم تجد غير البكاء أمام تشدد المشرفين.
وأضافت الأستاذة “مازلت لا أعرف كيف غيرت وجهتي من السير في اتجاه القاعة إلى الهرولة نحو التلميذة أستفسر عن سبب بكائها، ومازلت لا أصدق كيف دفعتها أمامي ودخلنا معا مكتبا فارغا نتبادل ملابسنا.. قبّلت التلميذة ورأيت ضحكتها تقفز من عينيها وقلبها يكاد يخرج من ضلوعها فرحا وسمح لها بالدخول فجرت نحو قاعتها”.
لم يكن موقف الأستاذة من سرد قصتها استعراض البطولة ونيل الاستحسان وعلامات الإعجاب على مواقع التواصل، ولكن الإشارة إلى المفارقة الحادة بين جيل قديم تربى على قيم ومقاييس أفاق فجأة ليجد أن تلك الصورة قد اختفت وحلت محلها معايير جديدة في الذوق واللباس وطرائق التفكير.
لم تكن التلميذة، وهي تلبس ذاك السروال المقطع، تخطط لاستفزاز حارس الامتحانات، وحارس الأذواق القديمة. ما فعلته أنا لبست سروالا جديدا على منوال ما يلبس جيلها.. اللعنة على الموضة التي باتت تضع لنا مقاييس الجمال فتفتح ما تريد وتضيّق ما تشاء وتكوّر وتدوّر ما عنّ لها، وما على الجميع سوى أن يلبس وفق مقاساتها المعولمة..
العولمة تفرض عليك ماذا تلبس وكيف تلبس، وتفتح أمامك مسارب جديدة لا تقدر أن تقول لها لا، حتى لو كانت حارسا للأخلاق..
لكن الأخطر في هذه العولمة أنها تسطو على العقول وتصنع أجيالا جديدة من أبنائها، الذين هم في الظاهر أبناؤنا وبناتنا، هي تقدم لهم الهواتف الذكية وتسمح لهم باكتشاف مجاهل جديدة عبر المعرفة السهلة التي لا تكلف الكثير، فكيف سنواجهها نحن؟
الكثير منا ما يزال يعتقد أن تربية الأبناء في مواجهة العولمة الزاحفة تتم عبر المنع، منعهم من الهواتف والتدخل في ضبط ملابسهم وسلوكهم ولو بالقوة للحفاظ على هوية عربية إسلامية قلقة وخائفة بسبب زحف ثقافة مناقضة لها في الصورة والجوهر.
لكن المنع دائما ما يقود إلى عكس نتائجه، فالصغير الذي تضيق عليه حياته وتريد أن تتحكم في أنفاسه خوفا على دينه وخلقه ستجده حين يبلغ سنوات التعليم الجامعي، ويتحرر من الولاية والرعاية، شخصا آخر تماما، موغلا في عولمة مشوهة، هاربا بأقصى طاقته من ثقافة الماضي، ثقافة لا تسمع فيها وعنها سوى عيب وحرام ولا يجوز.
صدمة السروال تقودنا إلى ألف سؤال وسؤال حول المستقبل.