الغش هو الأصل

التلميذ الذي يعتمد طيلة العام على الدروس الخصوصية لا يمكنه أن يحل مشكلات طارئة في الامتحان إذا كان الأمر يتطلب جهدا وإعمالا للعقل.
الخميس 2022/06/09
ظاهرة الغش تؤثر على نوعية الناجحين ومستواهم

ككل عام، تشد الامتحانات الخاصة بختم الدراسة الثانوية الأنظار إليها في تونس بقوة، ليس فقط  بسبب الجدل حول صعوبة إنهاء برنامج طويل عريض، ولا عن ظاهرة الدروس الخصوصية التي أثقلت كاهل الناس، والكل يتبرأ منها.

لكن الأهم ضمن قائمة ما يجلب الأنظار لامتحان الباكالوريا هو موضوع الغش وتسريب الامتحانات منذ الدقائق الأولى.

هذه السنة تعهد الوزير الجديد بأن الأمر لن يحصل، وأن الوزارة قد استعدت بكل قوتها لمنع الإساءة إلى الامتحانات بأن منعت دخول الهواتف والساعات والأقلام ذات الصبغة الإلكترونية، منعت ذلك حتى عن الأساتذة، وهو أمر أثار ضجة، فالوزير بدا وكأنه يتهم المدرسين بالمساعدة على الغش، والمدرسون هاجموه وانتصروا لأنفسهم بحملة واسعة على مواقع التواصل.

ما يهم هنا أن خطة الوزير المتينة والثابتة والتي لا يمكن اختراقها قد فشلت من اللحظة الأولى، حيث تم تسريب ورقة امتحان الفلسفة دقائق بعد بدء الامتحان، ولا يعرف إن كان قد تم تسربها قبل ذلك أم لا، وهو أمر محرج للوزارة أكثر، فتسريب الامتحان قبل موعده يعني أن الخور من داخلها سواء في المركز أو في الإدارات الجهوية.

لكن النتيجة واحدة بالنسبة إلى الأولياء والتلاميذ، فالذي كان يسرب في السابق ما يزال يسرب الآن، وأن هناك فئة صغيرة مستفيدة من عجز الوزارة عن ضبط الامتحانات ومقاومة الغش، وهو ما يضرب مبدأ تكافؤ الفرص. ليس مهما أن تتوعد الوزارة بالتحقيق السريع وبأقصى العقاب لمن قام بالغش أو ساعده من داخل قاعة الامتحان أو خارجه، المهم أن الذي كان يحدث في السابق قد حدث.

الوزارة وقفت عند نقطة واحدة من معركتها مع تسريب الامتحانات، وهي الهجوم على الأجهزة الإلكترونية وضرب الاعتماد على “الكيت” و”التكييت” وشبكة الإنترنت، كأنما تريد أن تقول إن المشكلة في التقدم العلمي، وأن المسؤولية يتحملها التلاميذ وبعض الأساتذة ليس أكثر، وهي تستبعد فكرة أن تكون شبكة التسريب في قلب الوزارة.

لكن الحقيقة أن ظاهرة الغش صارت جزءا من منظومة أوسع تؤثر على نوعية الناجحين ومستواهم وعلى مراتبهم، فالتلميذ الذي يعتمد طيلة العام على الدروس الخصوصية إلى الساعات الأخيرة قبل الامتحان لا يمكنه أن يحل مشكلات طارئة في الامتحان إذا كان الأمر يتطلب جهدا وإعمالا للعقل، وهو سيحتاج إلى سند كي يعمل الامتحان مكانه بـ”الكيت” أو دونه.

الإجراءات الإدارية القوية واللجوء إلى العقاب أو القضاء لن يحلا المشكلة من جذورها. الحل في إصلاحات تراعي التطور وتسعى للنوعية أكثر من التباهي بأعداد الناجحين.

20