لا ثقافة بلا شللية

بيت الرواية إذا تم التحكم فيه ورسم معالم الحركة بداخله فسيصبح مؤسسة رسمية باردة لا روح فيها ولا جدوى، وأبلغ نموذج هنا هو بيت الشعر.
الخميس 2022/06/02
سنّة الثقافة ألا ثقافة بلا شللية

حملة كبيرة على وزيرة الثقافة التونسية بسبب إقالتها مدير بيت الرواية لسعد بن حسين. ورغم أن الرجل لم يستمر طويلا في منصبه، لكن أصدقاءه وأنصاره والمعجبين بإدارته هاجموا الوزيرة، واعتبروا أن الإقالة لا تليق بالوزيرة ولا بالمدير الذي نجح في أن يقرّب بيت الرواية من الكتاب وفتح أمام الجميع فرص تقديم أنفسهم وأصدقائهم وإنتاجاتهم.

الضجة كشفت عن أن لسعد بن حسين "ولد باب الله" ولديه صداقات كثيرة بما في ذلك في حياته الخاصة، في الوقت الذي لا تمتلك فيه الوزيرة شلة تذود عنها وتجد مبررا لقرارها بفصل مدير مؤسسة أريد لها أن تكون واجهة لجلب المبدعين إلى صف السلطة وليس التنكّر لها.

وحتى البيان الذي صدر وعزا القرار إلى "ارتكاب (لسعد بن حسين) جملة من التصرفات غير اللائقة واللامسؤولة في مخالفة صريحة لأخلاقيات الموظف العمومي وللتشريع والتراتيب الجاري بها العمل"، فقد حوله الخصوم إلى ورقة ضدها.

من الواضح أن الوزيرة التي جاءت إلى وزارة الثقافة من البحث العلمي ومدارج الجامعة لا تزال تنظر إلى الثقافة بمعادلة قديمة تقوم على وجود وزير بربطة عنق يعطي الأوامر عن بعد فتجاب سريعا، ووجود مشتغلين في الثقافة مهمتهم أن ينفذوا الأوامر، وألا ينسوا أنهم معينون من الوزيرة.

ربما كانت هذه المعادلة ستنجح لو أنها لم تصطدم صدفةً بوجود كاتب من نوع لسعد بن حسين، فكثيرون يتخفون وراء أوامر الوزير وبرامجه ليمدوا عروقهم ويهيمنوا ويكوّنوا شلة من المستفيدين منهم، وينشروا كتبهم وكتب أصدقائهم وأصدقاء أصدقائهم، ويروجوا لإنتاجاتهم المختلفة.

أكيد أن الوزيرة إذا قدّر لها أن تستمر في منصبها لفترة أطول ستعمل مثل بعض من سبقوها على إحاطة نفسها بشلة تدين لها بالولاء. وحتى إن لم تسع إلى ذلك، فإن الشلة تتكون وحدها سريعا، ودون أن تشعر الوزيرة أو تكون لها يد في ذلك، فسنة الثقافة ألا ثقافة بلا شللية.

ذهب لسعد بن حسين، وقبله كمال الرياحي، والآن تأتي الروائية آمال مختار ولديها كتب وتجارب وعلاقات وصداقات، وأرادت أم لم ترد، فستتكون من حولها شلة مستفيدة من وجودها، وستتكون شلة مقابلة تتبع أخبارها وأنشطتها وتنتقدها باستمرار، وتمهد طريق المنصب أمام شخص آخر في بلد تحتكم فيه المناصب والتعيينات للأمزجة الشخصية وليس للتجارب والخبرات.

المهم في كل هذا أن بيت الرواية تحول إلى مثار جدل واهتمام واسعين، وهو ما يؤكد أهميته في المشهد الثقافي. لكن إذا تم التحكم فيه ورسم معالم الحركة بداخله فسيصبح مؤسسة رسمية باردة لا روح فيها ولا جدوى، وأبلغ نموذج هنا هو بيت الشعر.

20