للبيع، أو للإيجار طويل المدى

الحرب العالمية الثانية حربان. مسرح العمليات الأوروبي معروف. مسرح المحيط الهادي كان حِكرا على صراع وصل إلى حد الإبادة بين الولايات المتحدة واليابان. ثمة توثيق مذهل لصعوبة تقدم القوات الأميركية في المحيط الهادي. إذا كان الحلفاء قد حرروا أوروبا منزلا منزلا، فإن الأميركيين استعادوا جزر جنوب المحيط الهادي شجرة شجرة. هناك بعيدا في جزر سليمان، شيء منسي اليوم. ولكن ضراوة الحرب مع اليابانيين في أرخبيل الجزر تلك، وبعدها في معركة جزيرة أوكيناوا، دفعت الرئيس الأميركي هاري ترومان إلى استخدام الأسلحة النووية لإنهاء الحرب والقتل، على حد وصفه كمنتصر.
عندما ترى الأفلام الوثائقية عن معارك الأرخبيل، وخصوصا معركة وادي القنال، تقول إن آخر ما يمكن أن يحدث بعد الحرب هو أن تتعرض هذه الجزر إلى كل هذا الإهمال من قبل الدول الكبرى. جزر سليمان من أفقر دول العالم، رغم اسمها الذي أطلقه عليها الإسبان تيمنا بالملك النبي سليمان صاحب الثراء الكبير في التاريخ العبري/المسيحي. لم ير أحد من أهل جزر سليمان شيئا من هذه الثروة المتخيلة.
هذه جزر في منطقة من العالم معزولة لكنها استراتيجية. عدد السكان 600 ألف وهي أبعد ما تكون عن أن تصبح محطة سياحية. ما إن أحست الولايات المتحدة بأن الاتحاد السوفييتي لا ينظر إلى تلك المنطقة بعين الاهتمام، حتى انحسرت المساعدات. سباق بسيط كان بين الصين وتايوان على الاهتمام بجزر سليمان قبل عام 1971 لجمع الأصوات الأكثر، والدول الصغيرة مثلها كمثل الكبيرة. هل الصين هي الصين أم تايوان؟ انتهى الأمر لصالح الصين ونسي الجميع جزر سليمان.
السياسيون في الجزر أدركوا المفارقة. الأرخبيل مهم طالما أن هناك أطماعا فيه. جزر سليمان من الممكن أن تبقى على قيد الحياة طالما أطلقت سباقا على من يضع قدمه على أرضها قبل الآخر. كأنهم يقولون نحن لا نقدم شيئا إلا أنفسنا. أي كلام آخر عن الأهمية والحس الوطني لا قيمة له. نحن معروضون للبيع، أو بالأحرى للإيجار طويل الأمد. جيبوتي ليست أفضل منّا.
تنظر الولايات المتحدة اليوم إلى الجزر مرتبكة. وزير الخارجية أنتوني بلينكن زار الجزر قبل أن يحل عقده النفسية في زيارة السعودية والخليج. المشتري الصيني لأرض جزر سليمان جاد وها هو يفتتح سفارة ويبدأ الحديث عن قواعد للتواجد العسكري. في فترة الأخذ والرد بين الولايات المتحدة وأستراليا من جهة، وجزر سليمان من جهة أخرى، ها هي الصين توقع الاتفاق الأمني وتحسم الأمر. الصين هذه المرة، وليست اليابان، في جزيرة وادي القنال.
جزر سليمان لقنت المخططين الاستراتيجيين في دول كبرى درسا: لا يوجد شيء اسمه حب بدوام جزئي. عندما تكون الدولة مستبيعة ليس لديها ما تخسره، ينبغي الحذر منها.