الكاميرا الخفية.. رعب بدل العفوية

أول ما تحمست بعض التلفزيونات العربية لبرامج الكاميرا الخفية كان الهدف من ورائها زرع البسمة على شفاه الناس بعد يوم من الصيام. وكانت فكرة الكاميرا الخفية هي رصد صور الناس وهم يتصرفون بتلقائية في مواجهة حوادث مفاجئة تنجح في إظهار طابعهم القائم على الطيبة والعفوية.
لكن الهدف الرئيسي من وراء ذلك كان إضحاك الناس بقصص تعجب الكبار والصغار وتوفر مناسبة مثالية لجمع العائلات من حول التلفزيون.
في تونس اشتهرت الكاميرا الخفية باسم رؤوف كوكة قبل أن تتناسل تجارب أخرى أقل قيمة وحبكة وسعة خيال. كان الرجل يزرع كمائن في طريق “ضحاياه” لا ليدينهم أو يهينهم أو يرعبهم، بل يقدم للناس تجارب طريفة وتلقائية و”ضامرة” تصنع الضحك دون أن تكون قد تدربت في المسرح.
وهذا ما يفسر شعبية تلك الكاميرا وانتظار الناس بلهفة لقصص رؤوف كوكة وشخصياته ومقالبه من رمضان إلى رمضان.
الآن انقلبت الصورة تماما، فالكاميرا الخفية لم تعد تتنقل في الشارع وتتخفى بين الناس بحثا عن الإضحاك. صارت خططا مسبقة للإيقاع بشخصيات معروفة من سياسيين وفنانين ورياضيين ونجوم مجتمع، وجعلهم يعيشون أوقاتا عصيبة تزرع فيهم الرعب كما تزرعه في الناس الذين يشاهدونها.
الكاميرا الخفية حاليا لا تحركها الرغبة في الإضحاك بل الانتقام من النجوم والاستنقاص من منزلتهم الاعتبارية لدى الناس. حركة عكسية تماما، فإذا كان النجم يعمل ما في وسعه للظهور في أحسن صورة، فإن الكاميرا تخطط لإظهاره في أسوأ صورة؛ مرعوب، جبان، بخيل.
آخر برامج “الإضحاك” في إحدى الفضائيات التونسية واسمه “دوخة” يأخذ النجم في لعبة التنقل بالحبال بين ضفتي جبل قريب من العاصمة تونس، وخلال هذه الرحلة يجد الضيف نفسه في وضعيات رعب شديدة خوفا من موت محقق، فيبدأ بالصراخ ويلجأ إلى طلب الرحمة من “المنتج - البطل”، في مشهد صادم لا يقوى على مشاهدته الكبار فما بالنا بالأطفال.
منذ أيام شاهدت برنامجا للكاميرا الخفية يقوم على فكرة عجيبة وغريبة، حيث يأتي الممثلون بطفل يتنقلون به من عائلة لأخرى. كانوا يدقون على الباب فإذا فتح صاحب البيت يقولون هذا ابنك خذه عندك، لماذا أهملته، وحين ينكر يقولون له بلى ابنك وهو مسجل باسمك في السجلات المدنية ألست أنت فلان بن فلان ورقم هويتك كذا.
وتضع الكاميرا الخفية الرجل في إحراج شديد وصدام مع زوجته، وكأنه تزوج من ورائها، أو لم يعلمها بزواج سابق.. وبدلا من الإضحاك صار هدف الكاميرا خراب البيوت.