الإفراج عن معتقلي الرأي تمهيد لمبادرة من السلطة الجزائرية

الجزائر - أفرجت السلطات الجزائرية عن العشرات من المعتقلين، الموصوفين بـ”سجناء الرأي”، حيث تم إطلاق سراح نحو 30 منهم من مختلف المؤسسات العقابية.
ومن المرجّح أن تبقى العملية مستمرّة خلال الأيام القليلة القادمة، لتشمل أعدادا أخرى، لتكون بذلك العملية الثانية من نوعها، بعد العفو الذي أصدره منذ أشهر الرئيس عبدالمجيد تبون.
وفتحت العملية التي جاءت عشية شهر رمضان برمزيته الدينية المجال أمام قيام السلطة بخطوة أولى في مسار التنفيس من حالة الاحتقان الذي تعيشه البلاد في الآونة الأخيرة بسبب التضييق على الحريات الأساسية وخنق المجالين السياسي والإعلامي، وملاحقة الناشطين السياسيين المعارضين بتهم ثقيلة، لاسيما أولئك المحسوبين على الحراك الشعبي.
ولم يصدر إلى حد الآن أيّ تعليق من السلطة، التي نفت على لسان أكثر من مسؤول، وعلى رأسهم الرئيس تبون، أن يكون هناك سجناء رأي في البلاد، وأن من تتم الإشارة إليهم على ذلك النحو هم سجناء قانون عام، وهو ما تجلّى في تكييف التهم الموجّهة إليهم خارج الحقوق السياسية.
تنسيقية الدفاع عن معتقلي الرأي تؤكد بأن الأشخاص الذين يتم التطوع للدفاع عنهم أمام المحاكم، هم سجناء رأي تم اعتقالهم واتهامهم بسبب مواقفهم السياسية
وظلت تنسيقية الدفاع عن معتقلي الرأي متمسكة بأن الأشخاص الذين يتم التطوع للدفاع عنهم أمام المحاكم، هم سجناء رأي تم اعتقالهم واتهامهم بسبب مواقفهم السياسية وبسبب آرائهم المعارضة لخط السلطة، وتحدثت عن وجود أكثر من 300 سجين رأي في مختلف المؤسسات العقابية.
وكانت عائلات السجناء والمحامون المتطوعون، قد أعلنوا عن دخول السجناء في إضراب جوع جماعي انطلق من سجن الحراش بالعاصمة، وشمل العديد من المؤسسات العقابية، وذلك للتنديد بإفراط السلطة القضائية في تطبيق عقوبة السجن المؤقت، وبتكييف التهم من الجزائي الى الجنايات لإصدار عقوبات ثقيلة في حق المعنيين.
ولم تستبعد مصادر مطلعة أن تكون السلطة الجزائرية على وشك إطلاق مبادرة عفو لجسر الهوة بينها وبين المناوئين لها من رموز الحراك الشعبي ونشطائه، وهو ما ورد أيضا في اعترافات قدمها العسكري الفار الذي استقدمته الجزائر مؤخرا من إسبانيا وبثها التلفزيون الحكومي، والتي ذكر فيها بأنه كان “يجهل وجود عفو رئاسي”، الأمر الذي أعطى الانطباع بأن الخطوة ستكون تمهيدا لمبادرة من هذا النحو في الأفق.
ويعتبر الإعلامي والناشط عبدالكريم زغيليش وشمس الدين لعلامي وسعيد رياحي من أبرز الوجوه التي أعلن عن إطلاق سراحها منذ مساء الأربعاء، ويعتبرون من النشطاء البارزين في احتجاجات الحراك الشعبي منذ انطلاقها في فبراير 2019، إلى غاية العام الماضي، قبل أن تتوقف تحت القبضة الحديدية للسلطة وإجراءات التباعد التي فرضتها الحكومة لتفادي وباء كورونا.
وكان الناشط السياسي المعارض ومنسق عام الحركة الديمقراطية الاجتماعية اليسارية فتحي غراس آخر الذين أفرج عنهم بعد استئنافه لحكم بثلاث سنوات سجن نافذة صدر في حقه من طرف محكمة ابتدائية بالعاصمة، وقضى قرابة عام في السجن المؤقت.
وتزامنت عملية الإفراج المذكورة، مع الزيارة التي قادت وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن إلى الجزائر الأربعاء، وكانت وضعية حقوق الإنسان والحريات الأساسية من ضمن المحاور المعلن عنها من طرف الخارجية لتناولها مع المسؤولين الجزائريين، ولذلك لا يستبعد أن تكون العملية تعبيرا من الحكومة الجزائرية عن حسن نواياها في هذا المجال للإدارة الأميركية.
كما وقّعت السلطات الجزائرية طيلة الأشهر الماضية تحت ضغط منظمات وهيئات حقوقية إقليمية ودولية، وجّهت لها مراسلات رسمية وانتقادات حول السياسة الأمنية المطبقة تجاه المعارضين لها، ودعتها إلى فتح المجال أمام الحريات الأساسية والسياسية من أجل السماح للجميع بالتعبير عن آرائهم وأفكارهم.
وينتظر أن تقوم بعثة للجنة حقوق الإنسان الأممية بزيارة تفقد ومعاينة للأوضاع الإنسانية للسجناء والاطلاع على الأوضاع الحقوقية والسياسية خلال الأشهر القادمة، وهو الموعد الذي يبدو أن السلطة الجزائرية تريد استباقه بمبادرة إنسانية وصفها المحامي والحقوقي عبدالغني بادي، بـ”غير الكافية”، في ظل “غياب مقاربة سياسية حقيقية للخروج من الأزمة بمشاركة الجميع وبالاستجابة للمطالب الأساسية للجزائريين في التغيير والإصلاح الجاد”.
وكانت الحكومة الجزائرية قد عدلت تشريعاتها القضائية بشكل وسّع دائرة المتابعة بتهم الإرهاب، ليشمل الانتماء إلى حركات سياسية صنفتها كمنظمات إرهابية، وهي “رشاد” و”ماك” (استقلال القبائل)، فضلا عن ممارسات السعي لتغيير النظام السياسي للبلاد خارج الأطر الدستورية.
وأصدرت في هذا الشّأن خلال الأسابيع الماضية لائحة بأسماء مهاجرة، كـ”إرهابيين” مطلوبين للقضاء الجزائري، بينما يعتبرون أنفسهم ناشطين سياسيين معارضين للسلطة، فضلا عن استقدام ثلاثة عسكريين فارين من تركيا وإسبانيا، ويتعلق الأمر بكل من قرميط بونويرة ومحمد عبد الله ومحمد بن حليمة.