الجزائر تلوح بمراجعة اتفاقياتها مع إسبانيا بعد التحول الدبلوماسي

الجزائر - لا يزال التحول الدبلوماسي الإسباني الداعم للمقاربة المغربية في حل مسألة الصحراء المتنازع عليها مع جبهة بوليساريو، يثير الغضب الجزائري ويفتح التطورات على جميع الاحتمالات، وهو ما تجلى في تأجيل انعقاد اللجنة الجزائرية - الفرنسية المشتركة، على خلفية انزعاج الجزائر من عدم تحرك باريس لدى مدريد، والتلميحات التي أصدرها دبلوماسيون جزائريون حول إمكانية مراجعة بلادهم للاتفاقيات المبرمة بينها وبين إسبانيا.
وكشف الأمين العام لوزارة الخارجية شكيب قايد عن إمكانية مراجعة بلاده لجميع الاتفاقيات المبرمة في كل المجالات مع الطرف الإسباني، في أعقاب الانقلاب الذي وصفه بـ"المدهش" و"المفاجئ" تجاه النزاع حول الصحراء، وهو الأمر الذي يفتح المجال أمام أزمة دبلوماسية جديدة بين البلدين، ستلقي بظلالها على مختلف الجبهات الاقتصادية والاجتماعية.
وصرّح المسؤول الجزائري في روما على هامش زيارته إلى إيطاليا، بالقول "نحن مندهشون للغاية من هذا التغير في الموقف الإسباني غير المبرر"، ولم يستبعد إمكانية لجوء بلاده إلى مراجعة كل الاتفاقيات المبرمة مع إسبانيا، للتعبير عن استيائها من التحول الدبلوماسي الإسباني، الأمر الذي يطرح إمكانية فتح ملف الغاز الجزائري إلى مدريد، في مثل هذه الظروف الاستثنائية التي تعيشها أوروبا بسبب الأزمة الأوكرانية.

وعاد الدبلوماسي الجزائري ليؤكد من روما أن "إسبانيا لم تبلغ الجزائر بقرارها قبل إعلانه على عكس ما صرحت به جهات رسمية في مدريد، وأن كل الاحتمالات واردة بشأن تجديد عقود التموين بالغاز"، دون أن يقدم تفاصيل أخرى، مما قد يدرج التصريح في خانة الضغوط، في ظل حديث عدة تقارير عن عدم المساس بالاتفاقيات المذكورة، مهما كانت الخلافات الدبلوماسية بين الطرفين.
وكانت دوائر سياسية مقربة من السلطة الجزائرية، قد توعدت مدريد بـ"رد مناسب يكون في مستوى الانقلاب الدبلوماسي الإسباني"، لكن بيان وزارة الخارجية اكتفى بالتنديد وبالتعبير عن أسفه لما وصفه بـ"الموقف المفاجئ وغير المبرر والمذهل"، في حين ذكر بيان لحزب جبهة التحرير الوطني الموالي للسلطة، أن “صفقة غير شريفة تمت بين مدريد والرباط على حساب الشعب الصحراوي".
وذكرت تقارير إعلامية في إسبانيا، نقلا عما أسمته بـ"مصادر دبلوماسية جزائرية"، أن "الجزائر تحضر لرد مناسب على إسبانيا، ويبدو أن مراجعة الاتفاقيات أحد هذه الردود".
وقالت صحيفة "الموندو" إن "الجزائر قررت رفع سعر الغاز المتجه إلى مدريد"، في حين استبعدت تقارير دولية إمكانية توظيف الجزائر للغاز كسلاح ضد إسبانيا في الوقت الراهن.
وفيما سارعت الجزائر لاستدعاء سفيرها في مدريد للتشاور، أثار الموقف الإسباني انقساما داخل النخب السياسية الإسبانية، على غرار رئيس الحكومة السابق خوسيه ماريا أزنار، حيث قررت عدة قوى سياسية استدعاء رئيس الحكومة بيدرو سانشيز إلى البرلمان، للرد على أسئلة النواب في ما يتعلق بالموقف الإسباني الجديد، وذلك في جلسة ينتظر أن تكون صاخبة الأربعاء.
ويبدو أن الأزمة الجزائرية - الإسبانية غير المعلنة، قد ألقت بظلالها على العلاقات الجزائرية - الفرنسية، حيث تم تأجيل الاجتماع المقرر مطلع الأسبوع الجاري للجنة المشتركة بين البلدين إلى أجل غير مسمى.
وقد يكون امتعاض الجزائر من باريس حول عدم تدخلها لدى مدريد لوقف القرار المذكور أحد أسباب الفتور المستجد بين الطرفين، وذهبت تقارير محلية إلى الإيحاء بأن “لفرنسا الداعمة للموقف المغربي يدا في التحول الإسباني".
وأشارت إلى أن "الجزائر غاضبة من باريس، لكونها السبب وراء تغيير مدريد لموقفها من قضية الصحراء، واصطفافها وراء المملكة المغربية، وأن فرنسا لها يد خفية وراء التحول الإسباني المفاجئ الذي لا يتماشى مع الموقف الذي تبنته مدريد طيلة 47 سنة".
دوائر سياسية مقربة من السلطة الجزائرية توعدت مدريد بـ"رد مناسب يكون في مستوى الانقلاب الدبلوماسي الإسباني"
وكان من المنتظر أن تعقد اللجنة المشتركة بين البلدين اجتماعها في الجزائر مطلع الأسبوع الجاري، لبحث الملفات المشتركة، وبحضور مسؤولين سامين لدى الطرفين، لكن اللقاء تأجل إلى إشعار غير مسمى، الأمر الذي سيؤجل فرصة ترميم العلاقات المتذبذبة بين الجزائر وباريس، بسبب الأزمة التي اندلعت بينهما خلال الأشهر الأخيرة.
وأفادت في هذا الشأن مصادر مطلعة، بأن لقاء كان مبرمجا بين رئيس الوزراء الجزائري أيمن بن عبدالرحمن ونظيره الفرنسي جون كاستاكس، خلال اجتماع اللجنة، إلا أنه أجل لمهلة أسبوع في بداية الأمر، بسبب عدم اتفاق الجانبين الجزائري والفرنسي على بعض الملفات على غرار ملفي الهجرة والتأشيرة، ثم ألغي بعدها تماما دون الإعلان عن أي موعد لاحق له.
وأضافت أن "تباعدا في وجهات النظر وصعوبة التوصل إلى حلول ترضي الطرفين، سجلا خلال عملية التحضير، مما أفضى إلى إلغاء اللقاء بين الرجلين وإلى تأجيل اجتماع اللجنة".
وكانت القناة الفرنسية "فرانس 24"، قد ذكرت في وقت سابق أن "رئيس الوزراء الفرنسي كان سيزور الجزائر بتاريخ الثالث والعشرين من مارس الجاري، للمشاركة في اللجنة الوزارية الجزائرية - الفرنسية، وأن السفير الجزائري لدى فرنسا تنقل إلى الجزائر من أجل التحضير للحدث الدبلوماسي، الذي كان سيتناول عدة ملفات، أبرزها ملف الأرشيف والذاكرة وتعويض الجزائريين المتضررين من التفجيرات النووية، والهجرة والجالية والتعاون الاقتصادي والتجاري والثقافي وغيرها".