الإكراهات المالية تدفع المغرب إلى إعادة ضبط الإنفاق

فرضت الوضعية الاقتصادية والاجتماعية الناتجة عن ظروف الجفاف وغلاء الأسعار والإمكانيات المالية للمغرب على الحكومة اتباع سياسة ترشيد الإنفاق من خلال ترتيب الأولويات ومراجعة الميزانيات المخصصة لكل قطاع حتى تسهم في التصدي للمخاطر المحتملة.
الرباط - اضطرت الحكومة المغربية إلى مراجعة بنود المصروفات في الموازنة الحالية في ظل الظروف الضاغطة بسبب ما يحدث في الأسواق العالمية بغية الخروج بأخف الأضرار من هذه الأزمة التي تأتي بينما لا تزال الجائحة تطبع بمؤشراتها السلبية.
وقالت الحكومة مؤخرا إنها ستتبع سياسة ترشيد الإنفاق في ما يتعلق بفاتورة الرواتب وغيرها من البنود الأخرى المهمة المتعلقة بالقطاعات الاقتصادية التابعة للحكومة وشركات القطاع العام في الموازنة خلال السنوات الثلاث المقبلة.
وأكد رئيس الحكومة عزيز أخنوش على ضرورة وضع مقترحات القطاعات الوزارية والمؤسسات باعتبار الإمكانيات المالية للدولة بالعمل على ترتيب الأولويات.

إدريس الفينة: المتغيرات العالمية تتطلب مراجعة موازنتي 2022 و2023
وأوضح أن ذلك يتم بداية من ضبط الوزراء لنفقات الموظفين الخاصة بقطاعاتهم بالتعاون مع مصالح مديرية الميزانية التابعة لوزارة الاقتصاد والمالية، وكذلك “الحرص على حصر المقترحات في ما هو ضروري”.
ويبدو أن الحكومة من خلال اتخاذ القرار منسجمة مع توقعات البنك المركزي بخصوص نمو الناتج المحلي الإجمالي الذي تأثر هذه السنة جراء التغير المناخي، إذ من المرجح أن يعرف تراجعا كبيرا خلال 2022 مقارنة مع 2021 إبان بداية التعافي من قيود الجائحة.
وأكد إدريس الفينة الخبير الاقتصادي لـ”العرب” أنه رغم توجه رئيس الحكومة الذي يدعم القدرة الشرائية والاستهلاك كمحرك للنمو، وهي وجهة نظر سبق وأن عبر عنها قبل أن يكون في هذا المنصب، إلا أن المتغيرات العالمية الحالية وما سوف يترتب عنها تتطلب إعادة النظر في مختلف الميزانيات المرصودة في 2022 و2023 للتحكم في التضخم.
وقال “ما أعلن عنه أخنوش يتزامن مع زيارة مسؤول كبير من البنك الدولي إلى المغرب قبل يومين، فتوجهات البنك الموجهة إلى كل الدول هي الحد من النفقات وتقليص الرواتب من أجل التحكم في الأزمة الحالية وما سيترتب عنها من ركود وتضخم”.
وتتوقع الحكومة في موازنة 2022 البالغ حجمها 108.5 مليار دولار أن يصل حجم النفقات إلى نحو 57.5 مليار دولار بزيادة تقدر بنحو 9 في المئة على أساس سنوي، وهي تتضمن 27 مليار دولار بعنوان الإنفاق الاستثماري فيما سيبلغ العجز 6.5 مليار دولار بزيادة تصل إلى 33.4 في المئة مقارنة مع 2021.
وأكد محمد غياث، رئيس فريق حزب التجمع الوطني للأحرار بالبرلمان، أن ترشيد النفقات “ممارسة حميدة” في ظل ظروف الأزمة خاصة في نفقات الدولة التي تهدف الحكومة إلى جعلها موجهة نحو الفئات المستحقة كبرنامج محاربة آثار الجفاف، وبرنامج دعم مهنيي قطاع النقل.
وأوضح غياث في تصريح لـ”العرب” أن حكومة أخنوش تسلمت المسؤولية في ظرفية اجتماعية صعبة سواء محليا حيث ظروف الجفاف، أو على المستوى الدولي حيث الحرب في أوكرانيا وما نجم عنها من غلاء أسعار المواد الأولية كالمحروقات وبعض المواد الغذائية، وبالتالي “فنحن في زمن الأزمة وليس زمن الرخاء”.

محمد غياث: التوجه العام للحكومة اجتماعي مع التحكم في التوازنات
ويقول غياث إن التوجه العام للحكومة هو توجه اجتماعي مع محاولة التحكم في التوازن الماكرو – اقتصادي وبعث الروح من جديد في الاقتصاد المغربي.
وفي ظل الإجراءات التي تقوم بها الحكومة أجرى رئيس البنك الدولي ديفيد مالباس الأربعاء الماضي مباحثات مع أخنوش الذي أكد عزم بلده على مواصلة تنفيذ مجموعة من الإجراءات الرامية إلى الحد من تداعيات الجائحة وتحفيز الاستثمار الخاص وتحقيق الانتعاش الاقتصادي.
في المقابل، جدد مالباس التزام المؤسسة المالية المانحة بدعم ومواكبة التنمية الاقتصادية والاجتماعية التي يعرفها المغرب، مؤكدا أن البلد لديه الإمكانيات للخروج من تداعيات الأزمة الناتجة عن الجائحة.
وتباحث رئيس البنك الدولي مع أخنوش وعدد من المسؤولين المغاربة حول الظرفية العالمية المتسمة بالمبادرات الرامية إلى تحقيق الانتعاش الاقتصادي والخروج من تداعيات الوباء وموجة ارتفاع أسعار المواد الأولية في العالم.
وأكد هشام الفقيه الباحث في القانون العام والعلوم السياسية في تصريح لـ”العرب” أن ترشيد النفقات العمومية الذي دعت إليه الحكومة قرار في محله اجتماعيا واقتصاديا.
وقال إن الخطوة هي “تجاوب سريع مع الظرفية الاقتصادية والمرتبطة أساسا بتقلبات أسعار النفط في الأسواق الدولية نتيجة الحرب الروسية – الأوكرانية مما انعكس على الاقتصاد المغربي، وأيضا تفاعل إيجابي مع ما أكد عليه محافظ المركزي الذي دق ناقوس الخطر بتوقعات صعبة من حيث النمو”.
وكان البنك الدولي قد توقع أن ينمو الاقتصاد المغربي خلال العام الجاري بنسبة 3.2 في المئة وذلك نتيجة لانخفاض الإنتاج الزراعي، لكن المركزي المغربي قال الأسبوع الماضي إن النمو سيصل إلى 0.7 في المئة فقط.
وبالنسبة إلى سنة 2021 أشار البنك إلى ارتفاع الناتج المحلي الإجمالي للمغرب بنسبة 5.3 في المئة، بعد انكماش بنسبة ناقص 6.3 في العام السابق.
ويؤكد الخبير الاقتصادي محمد الرهج أن المديونية تشكل أحد الروافد التي تظل خيارا مطروحا أمام الحكومة من أجل تمويل الإنفاق العام خاصة في ظل صعوبة زيادة الضغط على الفاعلين الاقتصاديين في سياق يطبعه ارتفاع الأسعار في السوق الدولية.

رشيد ساري: المؤشرات صعبة واعتماد برنامج عاجل ضرورة قصوى
ولم تقف الحكومة عند هذا الحد، بل يشدد أخنوش على ترشيد الإنفاق المرتبط بتسيير الإدارة وعقلنة مصاريف المعدات والنفقات المختلفة بالتحكم في العادية منها وحصرها في المتطلبات الضرورية لتحسين فعالية تدخلات الدولة لاسيما من خلال التقليص من النفقات المتعلقة بكراء السيارات وتهيئة المقرات الإدارية وتأثيثها، مع ربطها بضرورة المصلحة.
ويرى غياث أن الحكومة ليست لها توجهات التقشف بدليل إطلاق العديد من البرامج الهادفة إلى إنعاش الاقتصاد المحلي وتحريك عجلة سوق العمل كبرنامجي “أوراش” و”فرصة” والبرنامج العاجل لإنقاذ قطاع السياحة.
ولهذا دعت الحكومة الجماعات المحلية إلى اختيار المشاريع الأكثر مردودية على المستويين الاجتماعي والاقتصادي واستثناء المشاريع المتعلقة بالتهيئة الحضرية والإنارة العمومية والمناطق الخضراء التي يجب أن تندرج في “إطار تنزيل عقود البرامج بين الدولة والجهات”.
وفي سياق المحافظة على الموارد المالية في ظل سياسة الحكومة، طالب وزير الداخلية عبدالوافي لفتيت الولاة ومحافظي العمالات والأقاليم بإيلاء أهمية خاصة لترشيد الإنفاق مع إعطاء الأولوية للنفقات الإجبارية قصد تجنب تراكم أي متأخرات في هذه النفقات الضرورية لضمان السير العادي للمرفق العام.
واعتبر المحلل الاقتصادي رشيد ساري أن كل المؤشرات تدل على صعوبة المرحلة ولذلك فإن اعتماد برنامج عاجل أصبح ضرورة قصوى والشروع في إعداد الخطوط العريضة لقانون مالية تعديلي نهاية أبريل أو بداية مايو المقبلين.