عالم يعج بالصواريخ

للصواريخ علاقة قلق بالشرق الأوسط. الصينيون طوروا السهم الناري قبل حوالي ألف عام. المغول استغلوه في هجومهم على أوروبا، ثم أرعبوا الدفاعات المختلفة في ديار المسلمين يوم غزوا المنطقة. فكرة أن ينقضّ عليك سهم متفجّر من السماء من دون أن ترى من أطلقه، لا شك أنها مخيفة. انتبه العرب المسلمون إلى هذا السلاح وتبنّوه. في كتابه “الفروسية والمناصب الحربية: البارود – النيران الحربية – التقطير – النيرنجات” في النّصف الثاني من القرن الثالث عشر، قدّم حسن الرماح ابن الشام تفاصيل دقيقة لهذا السلاح الفتاك، وكيفية استخدامه ووصفات لتحسين أدائه. كان الوقت قد فات على الدولة العباسية الهرمة للاستفادة من هذا السلاح.
لا شيء تغير. ها هو الشرق الأوسط أمام قلق الصواريخ. ها هو العالم أمام قلق الصواريخ. إيران عرفت أهمية هذا السلاح يوم كان العراق يمطر طهران بصواريخ أنتجتها هيئة التصنيع العسكري. في إيران اليوم، لا صوت يعلو على صوت الصواريخ. هذا سلاحنا الذي نهدد به المنطقة. الصواريخ سلاح يمكن أن يطلقه الحرس الثوري على أهداف أميركية في قواعد عراقية، أو أن يضرب به أهدافا في كردستان العراق بأيّ حجة. أو هي سلاح يمكن أن يقدمه هدية استراتيجية لحلفائه من الميليشيات يستعرضون به الفصل الأول من حرب المنطقة القادمة. صواريخ الحوثي أو حزب الله أو الحشد الشعبي هي مقدمة كتاب “تاريخ المستقبل القريب للشرق الأوسط”.
عندما أطلق النازيون صواريخهم من فئة كروز في 1 والباليستية من فئة في 2 على لندن، كانوا يعرفون أن هذا السلاح لو أخذ فرصته فأنه يمكن أن يغير تاريخ الحروب. الحرب الباردة التي أعقبت الحرب العالمية الثانية لم تكن سباقا بين حشد الدبابات والمشاة، بل من لديه صواريخ أكثر تحمل رؤوسا نووية أشدّ فتكا. أزمة الصواريخ الكوبية كانت اللحظة التي أوشك فيها العالم على تدمير نفسه. حرب النجوم التي أنهت الحرب الباردة كانت حرب صواريخ لم تطلق، بل تمّ التلويح بها. الصاروخ الصغير المحمول على الكتف الذي غيّر نتيجة حرب أفغانستان هو ستينغر.
ستينغر هو نفسه اليوم الذي يلتقط المروحيات الروسية فوق أوكرانيا. وصواريخ جافلين المضادة للدروع هي الأكثر أثرا في إعاقة تقدم المدرعات الروسية. ماذا تفعل أمام صاروخ يعمل بتقنية “أطلق وانس”؟ وكل الحديث يدور عن مبادلة صواريخ أس – 300 الروسية لدى دول حلف الناتو من أوروبا الشرقية بصواريخ باتريوت.
الآن دخلت صواريخ جديدة مضمار الحرب هي الصواريخ فرط الصوتية. هي صواريخ تحلّق بسرعة أشبه بالخيال. سرعة هي أضعاف متعددة لسرعة الصوت. وكالة الصحافة الفرنسية ترجمت مسمّاها “هايبر سونك” إلى فرط صوتية. ترجمة موفّقة. وكالة رويترز أربكتها سرعة الصاروخ ولم تستطع تبنّي ترجمة معقولة. لا تزال تسمّيها أسرع من الصوت. إلى حين أن تلتقط رويترز الترجمة الأفضل، نكون قد وصلنا إلى عصر صواريخ فرط فرط صوتية. رئيس بلدية مدينة أوكرانيا وصف الأمر بشكل مخيف: لم نتمكن حتى من الضغط على أزرار صافرات الإنذار قبل أن تنقضّ.
إنه عالم يعج بالصواريخ، ومنطقتنا لديها شهية خاصة لها.