إبراهيم عيسى والجدل العقيم

عقول العرب وقلوبهم وأحلامهم في الماضي وأجساد فقط في الحاضر.. والبقية رغي للتمويه.
الخميس 2022/02/24
عيسى يحرك بعصاه أعشاش الدبابير

من حق إبراهيم عيسى أن يتحدث وينقد ما يشاء ووقت ما يشاء في المسائل الدينية.. هذا حق قانوني وأخلاقي.

لكن نقل هذا النقد إلى وسيلة إعلامية وبشكل مباشر وملامسة مسائل حساسة مثل الإسراء والمعراج بالتأكيد لن يمر بهدوء ودون جدل وفتاوى وبكائيات على الدين. وهو أمر يعرفه عيسى وكان ينتظره ويريده.

ليس المهم من هو على حق هنا، المهم النتيجة، وهي أن عيسى يريد أن يجر إلى ملعبه مجتمعا يعاني من الفقر وغلاء الأسعار وقلة الحيلة، ويبحث له عما يفش فيه غيظه ووجعه.

هل يريد الكاتب المصري أن يتسلى مع مجتمع مشحون على الآخر، أم يريد أن يحرف الأنظار عن الأوضاع الصعبة بافتعال “معركة مقدسة” تعيد بريق برنامجه وتحيي اسمه كنجم تلفزيوني في وقت انسحب فيه الناس من التلفزيون إلى وسائط أخرى.

عيسى يعرف أن الجدل في الدين مثمر ويجلب التعاطف والثناء خاصة من المنظمات الحقوقية والدوائر التي تلعب بدورها في ملعب الدين وتريد أن تحرك الجدل وتجعل مشاعر المتشددين دائما على استعداد للهرولة إلى ملعب العنف.

يعرف الكاتب المصري أن الإسلاميين أكبر مستفيد من هذا الجدل، سيعطيهم مبررا للكلام، يحيي بداخلهم خطاب المظلومية، والتحريض على الوحدة والاستنفار لحماية المقدس.. هل يريد تأمين عودة الإخوان إلى الواجهة، أم يحرض السلفيين الكامنين خوفا من عصا السلطة على التحرك واكتساح الفضاء.

ما فائدة عيسى من إثارة جدل في مجال لا يختص به، وفيه وجع رأس وتحريض وتهديد بالقتل.

ماذا يريد بتحويل النقاش من قضايا الناس وظروفهم ومستقبلهم إلى ملعب الماضي، هل يحن إلى معارك المعتزلة والأشاعرة أم أنه لم يغادر تلك اللحظة التاريخية وإن بدا حداثيا عقلانيا متحررا من المسلمات.

عقول العرب وقلوبهم وأحلامهم في الماضي وأجسادهم فقط في الحاضر.. والبقية رغي للتمويه. حتى المثقفون والباحثون يجدون أن الاستغراق في الماضي يعطيهم مشروعية نفسية ومكانة مجتمعية.

إن عيسى بجدل الإسراء والمعراج يجر مصر جرا إلى الماضي ويحرك بعصاه أعشاش الدبابير التي نجحت الدولة في تنويمها وإسكاتها بالترغيب والترهيب لأجل أن تتفرغ للمستقبل.

وقد بدا موقف الدولة المعارض لنبش الدفاتر وتحريك الجدل الموات واضحا من خلال إظهار دفاعها المستميت عن الدين وتقدم صفوف الداعين لعرض عيسى على النيابة، متناسية “العشرة القديمة” وأن الرجل كان إحدى أدواتها في مواجهة المتطرفين قبل سنوات وأنها هي من سمحت له بهامش للاختلاف لإكساب مواقفه بعض المصداقية.

20