انطلاق عصر جديد للمهرجانات السينمائية في الشرق الأوسط

تجاوزت العديد من التظاهرات السينمائية العربية مفهوم المهرجانات التقليدية، التي تكتفي بعرض الأفلام وتتويج بعضها، بينما يلعب مقص الرقابة دورا سيئا في تشويه الكثير من الأعمال وبالتالي عملية الإنتاج ككل، وهو ما سيصبح من الماضي في ظل انفتاح الكثير من المهرجانات على منتجي الأفلام والاعتناء بشكل خاص بالشباب منهم، وخلق حركية سينمائية حرة انعكست إيجابيا على مستوى الأفلام العربية التي باتت تحظى بتتويجات عالمية.
أقيمت الدورة الرابعة لمهرجان العين السينمائي هذا الأسبوع في وقت بدا فيه أن هناك زخما كبيرا في مجال إنتاج السينما في الشرق الأوسط.
وتمت استضافة مهرجانات في الجونة وفي مدينة القاهرة، وأجيال وهو مهرجان رائع للشباب في الدوحة، وانضمت المملكة العربية السعودية للركب في شهر ديسمبر، حيث تم افتتاح مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي، بالرغم من أن المملكة منعت فتح دُور السينما لما يقرب من أربعة عقود. (وحرصا على مبدأ الشفافية، فأنا أعمل كمدير لبرمجة الأفلام الدولية في مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي).
وكانت هذه فقط المهرجانات التي تم عقدها خلال فترة الجائحة، وعلى مدى السنوات الماضية لم يكن هناك وقت أكثر ملاءمة لعرض أفلام في مهرجان سينمائي في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.
مهرجانات سينمائية ولكن
لكن ألم نمر بهذه المرحلة من قبل؟ ففي أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، كان الشرق الأوسط مرتعا خصبا للمهرجانات الجديدة، فقد بدأ مهرجان دبي السينمائي الدولي في عام 2003، وأعقبه بأربع سنوات مهرجان أبوظبي السينمائي، ثم شاركت الدوحة في سباق احتضان المهرجانات، حيث شاركت مع مهرجان تريبيكا السينمائي لروبرت دي نيرو في عام 2009، ولكن لا يوجد أي أثر لتلك المهرجانات اليوم.
وبدلا من أن تكون تلك المهرجانات السينمائية بداية عصر جديد، لم تشكل سوى ومضات في سماء الفن سرعان ما طوتها رحى النسيان، وعلى الرغم من كونها أحداثا عظيمة تجذب أسماء ونجوما لامعة، إلا أنها أثبتت أنها غير مستدامة. وهناك العديد من الأسباب لذلك، بما في ذلك قلة الحضور من الجماهير المحلية، وعدم بزوغ نجم مخرج إماراتي أو قطري للساحة العالمية، والأفلام التي تُعرض في المهرجانات من دون أي حذف تمر بمقص الرقيب قبل عرضها على جمهور المنطقة، فضلا عن تغير الوضع الاجتماعي والسياسي في المنطقة بعد احتجاجات 2011.
وبدأ البعض في التساؤل عما إذا كانت مهرجانات الأفلام تستحق المشاهدة فعلا، وقد أكد هذا التساؤل حقيقة أن منتصف العقد الأول من القرن الحادي والعشرين كان وقتا مؤلما لعشاق السينما العربية، حيث تم إلغاء مهرجان سينمائي تلو الآخر.
المهرجانات باتت توفر فرصا لمنتجي الأفلام المحترفين والطلاب والشباب المبدعين لعرض أفلامهم والانفتاح على تجارب عالمية
ولكن كما هو الحال في كثير من الأحيان، فإن غياب المحب يُشعل نيران الشوق، حيث تركت المهرجانات إرثا ورغبة جامحة تجاه السينما في المنطقة، كما وفرت المهرجانات منصة للسكان المحليين للدخول في مجال إنتاج الأفلام. وأدى ظهور أفلام مثل ”فاست أند فيريس” و“مشن إمبسبل” إلى خلق فرص للناس في المنطقة ليصبحوا فنيين في قطاع الصناعات السينمائية.
وكان الكثيرون مصممين على الاحتفاظ بتلك المكاسب، وأدى هذا التصميم إلى ظهور نوع جديد من المهرجانات، أكثر تركيزا على منتجي الأفلام وليس على السجاد الأحمر البراق، وأنشأ معهد الدوحة للأفلام فعاليات “قمرة” الناجحة لكبار اللاعبين في الإنتاج للالتقاء مع الفنانين الناشئين ومساعدتهم.
ومن وجهة نظر فلسفية مماثلة، ظهر مهرجان العين السينمائي، حيث تأسس المهرجان بناء على الرغبة في “دعم استدامة نمو صناعة السينما الإماراتية”. ووفقا للمنظمين، فإن المهرجان يوفر فرصا لمنتجي الأفلام المحترفين والطلاب والشباب المبدعين لعرض أفلامهم من على منصة فريدة.
وافتتح الفيلم الجزائري “هليوبوليس” ذلك المهرجان في الإمارات، وتألفت المسابقة من أفلام طويلة وقصيرة من دول مجلس التعاون الخليجي، وشكلت تلك الأفلام محور الحدث الذي استمر لأربعة أيام.
وتضمنت قائمة الأفلام العالمية الفيلم المصري “ريش” للمخرج عمر الزهيري، والذي فاز بجائزة أسبوع النقاد المرموقة في مهرجان “كان” السينمائي وفيلم المخرج “تيمو نيكو” بعنوانه الجذاب “الرجل الأعمى الذي لم يرغب في مشاهدة تيتانيك” والذي فاز بالجائزة الأولى في مهرجان الجونة السينمائي في مصر.
تغيير جذري

يبدو أن مستقبل مهرجانات الأفلام أصبح الآن مشرقا، حيث أن هناك اختلافات كثيرة اليوم عما كان عليه الحال عندما حدثت موجة المهرجانات في منتصف العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، حيث بدأت تلك المهرجانات مع تجدد الاهتمام بإنتاج الأفلام في المنطقة، ومع ذلك، لم تتوافر البنية التحتية لدعم المخرجين الشباب.
كما أن السينما العربية كانت في بداياتها في ذلك الوقت، وكان مخرجون مثل نادين لبكي وأن ماري جاسر وهاني أبوأسعد وشوقي يتعلمون حرفتهم، وفي هذه الأيام تشارك أعمالهم بانتظام وتفوز بجوائز في أكبر المهرجانات في العالم، وأصبح إنتاج الأفلام مهنة مجدية، كما تُكرم الأفلام العربية من على أكبر المنصات العالمية، وهذا النجاح يولد الثقة في نفوس الآخرين، ويتم إنتاج العديد من الأفلام العربية اليوم أكثر من أي وقت مضى، كما تمتاز تلك الأفلام بجودة لم نراها في تاريخ السينما.
ولطالما واجهت المنطقة مشكلة مقص الرقيب، حيث لم يشتر موزعو الأفلام أفلاما رائعة لعرضها في السينما في المنطقة لأنهم يعتقدون أن أغلب الجمهور لن يذهب إلى دور السينما لمشاهدة النسخ التي تم حذف أجزاء منها، بل سينتظرون الإصدار المنزلي، وتوقف وكلاء المبيعات الكبار عن حضور المهرجانات لأنه لم يكن أحد يشتري منتجاتهم، ونتيجة لذلك، فقدت مهرجانات الأفلام دورها الأساسي وهو كونها منصة انطلاق للأفلام والتوزيع.
ويبدو أن الأمور تغيرت الآن، حيث أعلنت دولة الإمارات العربية المتحدة مؤخرا أنها لن تستخدم مقص الرقيب على الأفلام، بل ستعرض أفلاما من فئة الأفلام العالمية بتصنيف 21، ومن المحتمل أن تسير دول أخرى في المنطقة على نفس النهج.
كما أبرزت الجائحة حاجة البشر لممارسة الأنشطة المشتركة، والسينما هي أفضل تلك الأنشطة، فبعد إطلاق الأفلام، تصبح مهرجانات الأفلام منصة مهمة لتعريف الجمهور بما يجب عليهم مشاهدته، وتوجيههم نحو صناعة الأفلام الرائعة والجيدة.
وأضف إلى ذلك نجاح العارضين في المنطقة واهتمامهم بعرض المحتوى العربي، وفجأة، ها نحن أمام نجاح وإقبال كبير على سوق الأفلام في المنطقة. وأفضل مكان لمشاهدة تلك الأفلام هو في المهرجانات السينمائية حيث يحضر المخرجون والنجوم لتقديم أفلامهم، وحيث يتم إرشاد المواهب الجديدة الذين يرغبون في الدخول إلى عالم صناعة الأفلام.