هوليوود لم تعد قادرة على إعطاء الأولوية للولايات المتحدة

عودة فيلم "توب قن مافريك" تميط اللثام عن السياسة العالمية الحالية لهوليوود.
السبت 2022/05/28
فيلم ملتزم بسياسة واشنطن

لا تنفصل السينما عن السياسة، بل قد تكون في الكثير من الأحيان سلاحها الناعم الذي تتحكم به في الرأي العام وتنقل إليه أفكارا مبطّنة دون أن تتخلى عن عناصرها الفنية والجمالية. ومن أشهر النماذج السينمائية عن ذلك فيلم “توب قن مافريك” الذي عرض منذ أكثر من ثلاثة عقود ويعاد عرضه هذه الأيام بنسخة حديثة ومتغيرة كالتغيرات الجيوسياسية التي هزت العالم.

كانت أشهر مقولة من فيلم “توب قن” -وهو فيلم حول طائرة مقاتلة، تم عرضه في عام 1986 وأكسب توم كروز شهرة عالمية- هي “أشعر بالحاجة، بالحاجة إلى السرعة”. والآن، وبعد مضي 36 عامًا على تقديم شخصيات الفيلم مثل مافريك وايسمان وجوز إلى العالم، حلق فيلم جديد -قائم على الحنين إلى الماضي- إلى مهرجان كان السينمائي ثم إلى شاشاتنا السينمائية.

ويشعر البعض بسعادة غامرة لأنه يستطيع من خلال مشاهدة الفيلم زيارة الماضي، حيث كانت الإثارة عالية مثلما هو الشأن مع عودة شخصية “هان سولو” إلى فلم “حرب النجوم”. وبالنسبة إلى الآخرين يعد ذلك مثالا آخر يعكس صورة هوليوود الخالية من الأفكار الجديدة والتي تلجأ إلى الأفكار التي تمت تجربتها واختبارها لتحقيق بعض الربح السريع.

وقد لا يستسيغ البعض عودة “توب قن” لأن العمل الأصلي هو الفيلم الجوهري في سنوات الرئيس الأميركي رونالد ريغان، وكان الفيلم مترعا بالتفاخر الذكوري والنزعة الوطنية المتطرفة أثناء حقبة الحرب الباردة، وكان بيت القصيد من ذلك الفيلم هو أن العمل تحت مظلة الجيش الأميركي لم يكن ممتعًا فحسب، بل كان خيارًا رائعًا لنمط الحياة، وكانت أيام فيتنام قد ولت.

«توب قن» أول فيلم ضخم في العصر الحديث، عصر حركتي "أنا أيضا" و"حياة السود مهمة" ولهذا سيكون الكثيرون ممتنين

وفي الفيلم الأصلي كان توم كروز شابًا وسيمًا يافعاً ذهب إلى إحدى مدارس النخبة لطياري الطائرات المقاتلة وأقام علاقة غرامية مع مدربته بينما كان يخوض منافسة مفتولة العضلات مع زملائه حول من يكون الأسرع والأكثر جرأة؛ لقد كان مع زملائه من صفوة الطيارين، والأفضل على الإطلاق، وجزءًا من آلة عسكرية أميركية أفضل بكثير من أي شيء آخر شهده العالم، وخاصة بالمقارنة مع الاتحاد السوفييتي.

ولم يكن الفيلم بحاجة حتى إلى نعت الاتحاد السوفييتي بالعدو، فكان من الواضح أن أساس القصة هو أن تلك التكنولوجيا الأميركية تتغلب على المعرفة الروسية، وكان العمل يُحاكي قصة فيلم “روكي 4” ولكن في مجال الطائرات.

واستطاع الفيلم أن ينقل بمهارة الروح الوطنية الأميركية المتشددة إلى درجة أن البحرية أقامت كابينات في دور السينما بهدف تجنيد مرتادي السينما عند خروجهم من الفيلم، وقد نجحت تلك الفكرة، حيث ارتفع معدل التوظيف بشكل كبير.

وبعد فترة وجيزة من صدور فيلم “توب قن” صار الجميع سعداء. وكان مستوى النجاح في شباك التذاكر جنونيا، ثم انتهت الحرب الباردة، وكانت الولايات المتحدة هي المنتصرة بعد أن مرت هوليوود بفترة ازدهار. لقد كانت الأجواء حافلة بالبهجة إلى درجة أني ذهبت بنفسي لشراء مجسمين لطيارين إثنين.

وتميط تلك السلسلة من الأفلام اللثام عن السياسة العالمية الحالية لهوليوود وما يجري في دهاليزها، فمن الواضح أن العدو الخفي للفيلم هذه المرة هو إيران، وهو أمر مثير للقلق بعض الشيء، خاصة بالنسبة إلى الجماهير في الشرق الأوسط التي شاهدت بكل آسى كيف تعاملت هوليوود مع شخصيات من المنطقة والعالم الإسلامي ككل على مدى العقود الماضية.

ونشاهد في فيلم “توب قن مافريك” عودة توم كروز “الذي لا يبدو أنه يشيخ” إلى أكاديمية الطيران لتعليم الخريجين كيفية قيادة الطائرات النفاثة لمهاجمة موقع لتخصيب اليورانيوم، ولست بحاجة إلى سماع بعض اللكنات الأميركية في الفيلم التي تجعل اليورانيوم يبدو وكأنه إيراني لتعلم أن تلك هي حبكة سينمائية مستوحاة من علاقة واشنطن المضطربة مع طهران.

ويواجه طيارو فيلم “توب قن مافريك” عدوًا لا نعرف الكثير عنه. وبينما تشير التفاصيل إلى أن ذلك العدو هو إيران، فإن حقيقة أننا لا نرى أبدًا لون وجه العدو وأن الوادي الذي يتعين عليهم مهاجمته يمكن أن يكون مكاناً ريفياً في أي مكان في العالم، تعني أنه يمكن أن يكون في أي مكان.

ويا له من قرار من طرف صانعي الأفلام، فلم يكن بإمكانهم توقع الجائحة التي أخرت إصدار الفيلم لمدة عامين تقريبًا، ولكن يأتي الفيلم الآن في وقت عاد فيه كل التركيز في الولايات المتحدة على العدو الروسي.

ولم يرتبط قرار عدم وضع صورة نمطية خرقاء لعدو ذي ملامح شرق أوسطية في فيلم آخر من أفلام هوليوود بتغيرات الجغرافيا السياسية بقدر ما ارتبط بالطبيعة المتغيرة لأعمال هوليوود. فعندما ظهر فيلم “توب قن” كان شباك التذاكر في أميركا الشمالية هو الأكبر في العالم، وكانت الأفلام تجني بانتظام في دور السينما الأميركية أموالًا أكثر مما تفعل في بقية العالم، لكن تغير ذلك في العقد الماضي، وفجأة أصبح شباك التذاكر في الشرق الأوسط وآسيا مهمًا بطرق لم تكن كذلك في الثمانينات.

الأفلام يجب أن تكون أقل عنصرية وكراهية للنساء في ظل الوطنية الأميركية المتشددة حتى تنجح عالميًا

والآن يجب أن تكون أستوديوهات الأفلام على دراية بشباك التذاكر في مختلف بلدان العالم، تمامًا كما تدرك منصات البث الجديدة أهمية عدم الإساءة إلى المشتركين المحتملين، وفي الوقت نفسه سلطت حركتا “أنا أيضا” و”حياة السود مهمة” الضوء على المعاملة السيئة التي تتعرض لها الأقليات والنساء في الأفلام.

وبالإضافة إلى رفض تشويه سمعة الناس هناك اختلاف كبير في أفلام “توب قن”، وهو كيف تغيرت ديناميكية العلاقة بين كروز واهتماماته، فقد استفاد توم كروز من عولمة صناعة الأفلام أكثر من أي نجم سينمائي آخر، وكانت سلسلة أفلامه “المهمة المستحيلة” بارعة بشكل خاص في استخدام مواقع مثل برج خليفة بنفس الطريقة التي استخدمت فيها هوليوود مبنى إمباير ستيت.

ولحسن الحظ، يجب أن تكون الأفلام الرائجة أقل عنصرية وأقل كراهية للنساء في ظل الوطنية الأميركية المتشددة حتى تنجح عالميًا.

ما يميز “توب قن” هو كيف يوازن الفيلم بين كل تلك الجوانب السياسية بينما يظل وفياً لروح اللعبة الأصلية ويخلق مشاهد طيران رائعة، وعلى الرغم من أن الفكرة قد لا تكون جديدة أو أن العمل رائع بشكل خاص، فإن فيلم “توب قن” هو أول عمل ضخم في العصر الحديث، عصر حركتيْ “أنا أيضا” و”حياة السود مهمة”، ولهذا سيكون الكثير من الناس ممتنين.

14