قتلانا في الجنة وقتلاكم في النار!

التاريخ الإسلامي زاخر بالجماعات والحركات السياسية والدينية المتطرفة التي استغلت الدين أسوأ استغلال لتحقيق مصالحها الطائفية والقومية ومآربها السياسية، كل واحدة منها ادعت أنها الفرقة الناجية من بين ثلاث وسبعين فرقة إسلامية ذكرها النبي محمد في حديثه “ستفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة”. فأهل السنة والجماعة يدعون أنهم هم الفرقة الناجية المقصودة، بينما يدعي الشيعة أن الفرق كلها في النار إلا أتباع الأئمة من أهل البيت!
ولم تكتف فرق وتنظيمات أخرى كالقاعدة وداعش التي لا تشكل إلا نسبة ضئيلة جدا لا تكاد تذكر من مجموع المسلمين في العالم، بالادعاء أنها هي المعنية في الحديث المذكور وأن الجماعات الأخرى ضالة مضلة! بل راحت تكفر المسلمين جميعا وتقاتلهم، ورغم أن الحديث في النهاية موضع جدل لدى بعض الفقهاء القدماء والمعاصرين، وهو موضع تشكيك في صحته من الكتاب الإسلاميين؛ فعند ابن حزم الحديث “موضوع وغير موقوف ولا مرفوع”، ويرد على من يكفر الآخرين بسبب الخلاف في الاعتقاد. وعند ابن الجوزي في “الموضوعات” إن “هذا الحديث لا يصح عن رسول الله”. وقال العلامة ابن الوزير اليماني (توفي سنة 840 هـ) في “العواصم والقواصم”، “إياك والاغترار بـ’كلّها هالكة إلا واحدة’، فإنها زيادة فاسدة، غير صحيحة القاعدة، لا تؤمن أن تكون من دسيس الملاحدة”.
وبحسب الدكتور محمد عمارة وهو من العلماء المعاصرين “إن واقع الفرق الإسلامية لا يمكن التعبير عنه بأي حال من الأحوال بالعدد ثلاث وسبعين فرقة”. وهو نفس ما يعتقده الدكتور عبدالرحمن بدوي حيث يقول “لا يمكن تصديق هذا الحديث كون الأعداد المحددة المتوالية 71 – 72 – 73 أمر مفتعل لا يمكن تصديقه فضلا أن يصدر مثله عن النبي”.
على أية حال مهما كان وضع الحديث فإن الحركات الإسلامية والطرق الباطنية بكافة تشعباتها تعمل به وتطبقه على أرض الواقع سواء كان الحديث صحيحا أو غير صحيح، وكل فرقة ترى نفسها أحق بتمثيل الإسلام والتحدث باسمه، ولكي تظهر تلك الحركات والأحزاب بمظهر الإسلام الحقيقي وتقنع الناس بأنها فعلا الفرقة الناجية، فقد ابتكرت طريقة جديدة لم تكن معهودة في السابق وذلك بتدبيج اسمها بكلمة “الله” أو “الإسلام”، كالحزب الإسلامي، حزب الله، أنصار الله، أحباب الله، أصفياء الله، ربع الله، حركة يد الله وثأر الله، أو الدعوة الإسلامية وغيرها من الأحزاب والجماعات والفصائل التي تدعي الانتماء إلى الإسلام الحنيف ورفع رايته والنطق باسمه وما عداها باطل ينتظره بئس المصير!
وربما ستوضح المشاهد الطريفة التي بثها مقطع فيديو مصور عن مقاتلين في جبهتين معاديتين في مدينة تكريت العراقية، أحد المقاتلين من ميليشيا عصائب أهل الحق الشيعية، والآخر من قوات تنظيم داعش، حصل الأول على جهاز لاسلكي في أرض المعركة عندما هاجمت جماعته ضمن قوات الحشد الشعبي المدينة التي كانت قوات داعش تحتلها وبدآ يتبادلان أطراف الحديث عبر الجهاز اللاسلكي، الأول يقول “نحن جند الله في الأرض”. والآخر يرد عليه “بل نحن أنصار الله وأحباؤه وانتم أعداؤه، وشهداؤنا في الجنة وقتلاكم في النار”. والآخر يرد عليه “إذا كنتم تهددوننا بالشهادة فنحن عشاق الشهادة!”.
وهكذا يستمر مسلسل الصراع العبثي بين فئات “إسلامية”، كل واحدة تدعي أنها الفرقة الناجية، وإن سرقت ونهبت خزائن الدولة وعاثت في الأرض فسادا، والأخرى هي الفرقة الهالكة التي أشار إليها النبي محمد في حديثه المشار إليه والمثير للجدل.