قطيعة افتراضية

الولد ذو العشر سنوات يعرف أخبار اللاعبين الدوليين المشهورين أولا بأول، ويسرد تفاصيل حياتهم، اسم زوجة رونالدو وميسي وأبناءهما وأسماءهم وأعمارهم..
وأكثر من ذلك، فلعبته المفضلة على فريفاير هي شراء اللاعبين وتوظيفهم لربح مقابلات افتراضية يجريها عن بعد مع أصدقائه الصغار مثله، بدلا من مقابلاتنا الكروية القديمة على الأرضية المليئة بالحفر والحصي.
يقول لك اشتريت فلانا بثمانين والآخر بمئة وعشرين، وبعت فلانا لأشتري اللاعب الفلاني الذي أحتاجه على الجهة اليسرى أو اليمنى، فتخال نفسك أمام مالك مانشستر سيتي أو باريس سان جيرمان.
وبعد أن ينهي متعته الكروية الافتراضية، خاسرا أو رابحا، تقول له تعال نقرأ قصة، وتهم بسحب كتاب من رف منتصب فوق رأسه، يقول لك: لا أريد القصة المكتوبة، ابحث لي عن قصة على جهاز الكمبيوتر، أريد أن استمع إليها في شريط مصور.
تشعر وأنت تتابع معه قصته المصورة أنها قصيرة وفاقدة للروح، فهي مجرد سرد لأحداث مثل هيكل عظمي بلا لحم، فلا مفردات جذابة، ولا وصف، ولا تشويق.
والأمر نفسه في ما يتعلق بنوعية الفن الذي ترى أنت أنه راق، وتريد أن تستمع إليه أو تشاهده، ويراه هو شيئا باردا بلا روح.
من الواضح أن المقاييس اختلفت تماما، وأن حوار الأجيال صار شبه مستحيل، فالقصة أكبر من اقترابنا من الأبناء، والحديث معهم، وسماع أفكارهم. ربما كان هذا أسلوبا نافعا قبل أعوام، أما الآن فالحاجز ليس مرتبطا بسوء الفهم، ولا بمحاولة فرض نمط قديم على جديد.
الفارق الآن هوة واسعة بين ثقافة قديمة تقوم على الكتابة والتقييم المعياري للأشياء، فيما الأمور الآن صارت كلها افتراضية، والطفل ومنذ ولادته يجد نفسه في قلب العالم الجديد، هو شيء أقرب إلى الفطرة أكثر منه امتلاكا لمعرفة، خاصة أن من يفترض أن يعلمه ويدربه على دخول هذا العالم، أي الوالدين، يجاهدان ليلحقا بهذا العالم دون أن يدركا منه سوى بعض أدواته، أما الروح وكينونة هذا العالم فلا.
وليس الأولياء فقط من هم على الهامش، فأغلب المدرسين كذلك، يحاولون تقديم معارف جديدة هم بأنفسهم لا يستوعبون كنهها، والجهات التي يفترض أن تدربهم ليتأقلموا مع المحتوى الجديد هي نفسها على الهامش، وتتحمس له فقط ليقال إنها في قلب الإصلاح والتحديث.
القطيعة بين الطلاب والمدرسين، هذا عنصرها الرئيسي. ولا حل دون فهمها. وفيما يستمر المدرس بالمكابرة وفرض صوته كرسول على الجميع أن يستمعوا له ويقولوا آمين، فإن الطلاب يختارون القطيعة والتعامل ببرود مع الدروس، والاكتفاء بالحصول على الحد الأدنى من المعرفة، والاتكال على الدروس الخصوصية.
وبالنتيجة، فلا يمكن الحديث عن حوار بين طرفين بينهما قطيعة في الزمن.