إرهابي وبيده فأس

صورة كاريكاتورية تلك التي رأيناها منذ أيام في قلب العاصمة التونسية لمتطرف يحمل فأسا ومطوى ويهاجم بهما وزارة الداخلية.
تكشف هذه الصورة عن جوهر الإرهاب وأنصاره من العرب والمسلمين، فالرجل يعيش في القرون الماضية ويستعمل أدواتها وأساليبها لمواجهة الدولة الحديثة.
هناك فوارق ضوئية بين دولة تمتلك القوة والتنظيم وترتبط بالعصر وتقنياته المتطورة، وبين متشددين يعيشون على ما تقوله الكتب الصفراء، ويريدون استنساخ أزمنة القرون الوسطى وفتاواها.
ماذا يمكن أن يحلم به هذا الرجل الذي حمل فأسه وذهب ليواجه رمز القوة لدى الدولة الحديثة، أي وزارة الداخلية؟
العقل العاجز عن مواجهة التطور يواجه الواقع بالهروب إلى الماضي، والحنين إلى زمن النبي أو الصحابي أو القائد الذي يلبس لباس زمنه ويأكل بأسلوب وقته ووفق ما توفر له من إمكانيات، ولذلك هو يلبس القميص الطويل، ويضع العمامة ولا يحلق ذقنه.
لا فكر ولا ثقافة، ما يهم هو القتل.
العرب تعتقد أن منظر الدم على الرقاب أو الرؤوس أو الملابس عنوان بطولة وشرف وفحولة، ولذلك من السهل أن يفتي الحاكم والزعيم بالقتل، ولا يتردد القاضي في إصدار أمر بالقتل شنقا ليجد الشانق لذة وهو يرى المشنوق يتعذب قبل أن يغمض عينيه ويذهب إلى نوم أبدي، ولا يهم إن كان المشنوق قد ندم أو تاب، وأن ملابسات معقدة قادت إلى الجريمة وقد لا يكون هو طرفا فيها.
عدنا إلى ثقافة الغزوات التي منطقها الوحيد هو “يا قاتل يا مقتول”.
وما دام القتل مهمة سهلة، وعنوانا للتفاخر، فإرهابيو القرن الجديد ساروا على خطى السلف، ومن السهل عليهم أن يجدوا الفتوى، فالنصوص كثيرة، والشيوخ بعدد شعر الرأس، موجودون في كل مكان، في كل وسيلة إعلام حديثة أو قديمة تفتحها، كل يغرف من كتابه.
الشيخ الذكي هو الذي يجهد نفسه في البحث عن أحكام غريبة صادمة ليصفق له الناس، حتى لو تناقضت مع النص الأم الذي يرى أن قتل النفس دون وجه حق يساوي قتل الناس جميعا.
الآخر الذي نختلف معه دينيا أو مذهبيا أو سياسيا لا نحل خلافنا معه بالود والحوار وإنما بالقتل مباشرة.. سواء من خلال الهجوم على مدرعة بفأس، أو بتفجير النفس لقتل آخرين ذنبهم الوحيد أن المتطرف لا يقبل بوجودهم لوهم ساكن فيه بأنه ممثل الله وينتقم باسمه.. ثم نصف هذا العمل العبثي بأنه بطولة والأرعن بأنه “شهيد”.
الإرهابي أبوفأس تقول تقارير إن لديه شيزوفرينيا حادة، فهو متميز في الرياضيات ودرس في جامعات أجنبية، لكنه ترك كل ذلك وراءه، وانتهى إلى عمل لا يقوم به إلا أميون يائسون لم يحصلوا على حظ من هذه الحياة الدنيا.
والحقيقة أن أمثال أبي فأس كثيرون، فأنصار الحركات الإسلامية المتشددة يجمعون بينهم خريجين كثيرين مميزين في العلوم والتكنولوجيا، وبدلا من أن يخدموا بلدانهم بما تميزوا فيه صار دورهم الآن أن يخرّبوا مكاسبها ويشيعوا اليأس والخوف، تحت عنوان فضفاض يسمونه الجهاد، فأي جهاد يقلب خيرة شباب الأمة إلى قتلة ومنتحرين.
السر أن بلداننا تطور ذاتها لتدرك الفوارق مع الآخرين تقنيا وماديا، لكنها تركت الثقافة إلى الهامش، فإما أن يقلد شبابنا ثقافة الغرب وقيمه، أو أن يسلموا رقابهم لدعاة الموت، وهي معادلة صعبة، خاصة أن فتاوى المتشددين واضحة ومتماسكة وجاهزة للاستعمال تحت الطلب.