التكاليف الباهظة للشحن فرصة سوريا لإنعاش صادراتها في الأسواق العربية

مساع لاستغلال الموانئ القريبة من المنطقة لمواجهة ارتفاع التكاليف.
الاثنين 2021/11/29
المعنى الحقيقي لبيع الرمان في الهواء الطلق دون وسيط

تسعى أوساط المصدرين في سوريا لتحويل معضلة ارتفاع تكاليف الشحن العالمية إلى فرصة لتسويق المنتجات المحلية في الأسواق العربية لتحقيق هدف مزدوج يتمثل في دعم نشاط القطاعات الإنتاجية المتعثرة وتحصيل بعض الإيرادات من رسوم الجمارك، التي تعتبرها دمشق أحد مصادر الدخل في ظل الحظر الأميركي الخانق.

دمشق - تدفع تداعيات الأزمة المالية الخانقة السلطات السورية إلى البحث عن حلول لإنقاذ الاقتصاد من بوابة تعزيز الآفاق التجارية مع أسواق المنطقة العربية، وذلك باستغلال مسألة أجور الشحن العالمية الباهظة التي يتوقع أن تستمر بعض الوقت لدعم تصدير المنتجات المحلية.

ورغم الضائقة المالية وتضائل هوامش تحرك دمشق، خاصة بعد قانون “قيصر” الأميركي الذي زاد من تكبيل الاقتصاد السوري فضلا عن أزمة كورنا، إلا أن الحكومة عملت خلال الفترة الماضية على تقديم الكثر من التسهيلات في حدود إمكانياتها.

وعرضت السلطات برامج دعم الإنتاج الصناعي والزراعي عبر دعم أجور الشحن وتسهيل النفاذ إلى الأسواق الخارجية وإقامة المعارض الداخلية للمنتجات المعدة للتصدير.

وتلجأ العديد من البلدان إلى الاستيراد من دول مجاورة أو قريبة لخفض التكاليف العائدة عليها، ولاسيما مع ارتفاع أجور الشحن عالميا، الأمر الذي ينعكس على أسعار المنتجات المستوردة ويضعف تنافسيتها في الأسواق المحلية.

واعتبر رياض الصيرفي، رئيس الجمعية السورية للشحن والإمداد الوطني في سوريا، أن الواقع الاقتصادي العالمي الذي فرضه ارتفاع أسعار الشحن يشكل فرصة أمام المصانع المحلية لتعزيز وجودها في الأسواق القريبة، حيث يرى أن “المنتج المحلي يستطيع المنافسة بالجودة والسعر”.

ويعتقد الصيرفي أن ارتفاع تكاليف الشحن بين 50 و70 في المئة جاء نتيجة عدم توافر الحاويات أو عدم توافر الحجز البحري أو سفن البلد المصدر، ما يؤدي إلى تأخير تحميل البضاعة وطول مدة توريد البضائع، وهو ما انعكس على أسعار البضائع في الأسواق المستوردة وأضعف قدرتها التنافسية.

ونسبت وكالة الأنباء السورية الرسمية إلى الصيرفي قوله إنه “مع ارتفاع تكاليف الشحن عالميا توجه تجار الدول المجاورة، وخاصة العراق والأردن، إلى استيراد المنتجات السورية ذات التنافسية العالية”.

رياض الصيرفي: رصدنا طلبا كبيرا من الأردن والعراق على المنتجات السورية

وأوضح أن ذلك الأمر تحقق بفضل الإجراءات الحكومية ومنظمات قطاع الأعمال لدعم الصادرات السورية وتأمين وصولها إلى مختلف الأسواق ولاسيما المجاورة، والتي كانت تستورد من دول عديدة ومنها دول شرق آسيا.

وأضاف الصيرفي أن “المنتجات السورية لها سمعة طيبة في أسواق الدول المجاورة حيث شهدت السوق العراقية على سبيل المثال تطورا كبيرا لجهة استيرادها المنتجات السورية، وبخاصة بعد معرض ‘صنع في سوريا’ الذي أقيم في بغداد”.

وتأمل أوساط الأعمال في سوريا أن تشهد المرحلة المقبلة انطلاقة قوية للصادرات خاصة مع استئناف العلاقات التجارية والاستثمارية مع عدة دول عربية، كانت آخرها الإمارات، لتجاوز الصعوبات واغتنام فرص الاستثمار والشراكة للوصول إلى التكامل وتحويل المنافسة إلى مكسب تجاري.

وفي وقت سابق هذا الشهر وعلى هامش معرض إكسبو 2020 دبي، أبرم مجلس الأعمال السوري – الإماراتي وغرفة تجارة وصناعة أم القيوين الإماراتية اتفاقية لتنشيط التعاون بين الجانبين ودعم التبادل التجاري والعلاقات الاقتصادية بين مجتمعي الأعمال في سوريا والإمارات.

وبسبب الحرب انخفضت الصادرات السورية من نحو 8.7 مليار دولار في 2010 إلى نحو 700 مليون دولار في 2018 نتيجة تعطل سلاسل الإنتاج والتجارة بسبب الأضرار التي لحقت بالبنية التحتية والقيود الاقتصادية التي فرضتها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، فضلا عن هروب رؤوس الأموال إلى الخارج وهجرة السكان.

وكانت الصادرات السورية تتضمن، بحسب الأمم المتحدة، السلع الغذائية والوقود والسلع الكيميائية والمعدات والنقل والسلع المصنّعة. أما الواردات فتتضمن المواد المعدنية والآلات والأجهزة الكيميائية واللدائن الصناعية والوقود ووسائل النقل والأغذية.

ويرى خبراء أنه على الرغم من الطموحات السورية لتنمية الصادرات، إلا أن دمشق تواجه فعليا معضلة ارتفاع أسعار السلع والمواد الغذائية والصناعية جراء ارتفاع أسعار شحن المنتجات والمواد الأولية.

ويقول عضو مجلس إدارة اتحاد غرف التجارة السورية باسكال الكاتب إن “سوريا تستورد أغلب المواد الأولية والبضائع من أوروبا وآسيا وخاصة الصين والهند، وهذا يجعل تكاليف مدخلات الإنتاج مرتفعة”.

وبحسب الكاتب فإن سعر شحن الحاوية الواحدة سعة 20 إلى 40 قدما من الصين يتراوح حاليا بين 9 و12 ألف دولار حسب الميناء الذي تخرج منه مقارنة بنحو 2.500 و3 آلاف دولار في عام 2019، لافتا إلى أن بعض السلع زهيدة الثمن أصبحت تكاليف شحنها أعلى من سعرها ذاته بضعف أو ضعفين.

وتعاني السوق المحلية من شح في العملة الصعبة وتراجع في قيمة الليرة، حيث يبلغ سعر صرف الدولار لدى البنوك نحو 2500 ليرة، والذي كان قبل الحرب لا يتجاوز الخمسين ليرة. أما متوسط سعر العملة الأميركية في السوق السوداء فيبلغ حوالي 3500 ليرة.

وتكافح الجمعية السورية للشحن بالتنسيق مع الاتحاد السوري لشركات النقل لإيجاد طرق ووسائل تخفف تكاليف الشحن من وإلى سوريا من موانئ أخرى قريبة وخاصة مع توقف الكثير من الخطوط البحرية والجوية عن العمل معها، وهو ما سبب ضغطا على باقي الخطوط البحرية التي تخدم الموانئ السورية أو الموانئ القريبة.

وتتركز هذه الجهود على إيجاد بديل فعال لضغط تكاليف الشحن واختصار المدة الزمنية، وقد بدأت سوريا بالتعاون مع الأردن منذ مدة قصيرة بشحن البضائع عن طريق ميناء العقبة “لتميزه بخدمة سريعة وتقنية عالية”، كما يقول الصيرفي.

كما تتواصل الجمعية وفق رئيسها بشكل مباشر مع منظمة الشحن العالمية (فياتا) من أجل إيجاد حلول لعملية الشحن البحري والجوي والتواصل مع الوكلاء حول العالم لتحقيق أفضل خدمة في مجال الشحن وأفضل سعر.

وتضاف إلى ذلك إقامة بعض الدورات التدريبية للنهوض بقطاع الشحن الدولي لمواجهة التقلبات العالمية الطارئة وأيضا توفير فرص عمل جديدة في القطاع.

وتظهر بيانات وزارة الاقتصاد والتجارة الخارجية أن قيمة الصادرات السورية خلال الأشهر الثمانية الأولى من 2021 بلغت 470.5 مليون دولار، وهو ما يزيد قليلا عن متوسط إيرادات تم تسجيلها في السنوات الخمس الماضية حين وصلت إلى 300 مليون دولار فقط.

10