تاريخ المؤامرات الكبرى في كتاب قصصي

للنساء نصيب الأسد من الدسائس التي غيّرت العالم وقلبت مسار التاريخ.
الاثنين 2021/11/22
كش مات.. الملك (لوحة للفنانة رندة فخري)

يتحدّث الجميع عن المؤامرات التي وجدت مع بدء الخليقة، وهي التي رسمت في تاريخ الإنسان محطات هامة، بل يمكن القول إن العالم يعيش على وقعها منذ الأزل. و”مؤامرات التاريخ الكبرى” كتاب يلقي الضوء على بعض من هذه الأحداث التي عصفت بالحياة وسبّبت الكثير من الآلام وخلفت الملايين من الضحايا.

“متصفّح التاريخ يجد أن الخدع والدسائس والمؤامرات الكبرى كانت بالفعل نقطة تحوّل انتقلت معها الأمم أو الدول أو الجماعات من حال إلى حال، ولعل هذا هو السبب في ظهور ما يعرف بنظرية المؤامرة”، هذا ما دوّنته الكاتبة المصرية ميرفت عبدالصمد في كتابها “مؤامرات التاريخ الكبرى” الذي جاء في شكل قصصيّ مشوّق.

وتاريخ الإنسانية الذي يمتدّ لآلاف السنين مليء بسلسلة من الخدع والمؤامرات التي غيّرت وجه التاريخ وأوصلته إلى أزمات سياسية وتاريخية ما زال العالم يعيش بسببها على صفيح ملتهب، فالمؤامرات بدأت في المجتمع الإنساني منذ كان عدد الأشخاص ستة، وحكاية قابيل وهابيل معروفة في التاريخ وللجميع. وفي مساره الطويل حفل التاريخ بالآلاف من الأحداث التي كانت السبب فيها مؤامرات نسجها البعض ضد آخرين.

محطات مؤلمة من التاريخ

مكائد لا تحصى

كتاب ميرفت عبدالصمد “مؤامرات التاريخ الكبرى” صدر بطبعته الأولى في القاهرة ودمشق عام 2015 عن دار الكتاب العربي للنشر والتوزيع، وأعيد طبعه أكثر من مرة. وهو الذي قُدّم أخيرا في معرض الكتاب السوري الذي أقيم في نوفمبر الجاري بدمشق.

وفيه تقدّم الكاتبة في ثلاثة عشر فصلا بعضا من هذه المؤامرات عبر التاريخ الإنساني الطويل، فاستعرضت بعضا منها في العهد الفرعوني المصري القديم، ثم في العصر الإغريقي ومن بعده الروماني. كذلك يفرد الكتاب مساحة خاصة بالمؤامرات التي واجهها الأنبياء في مسارات نشرهم لرسالاتهم السماوية.

ثم يتحدّث عن الدولة الأموية ومن بعدها العباسية ومرحلة الدول في العصور الوسطى انطلاقا من الدولة الفاطمية مرورا بالمملوكية وصولا إلى العثمانية. كذلك يفرد الكتاب بعضا من المساحة للمؤامرات التي قامت بها الصهيونية العالمية والماسونية. وفي العصر الحديث يتناول مؤامرات أحداث تفجيرات برجي التجارة العالمية عام 2001 في الولايات المتحدة ووجود داعش في المنطقة العربية.

وقدّم الكتاب معلومات عن واحدة من أشهر المؤامرات التي حدثت في العصر الفرعوني، وتحديدا أثناء حكم الأسرة العشرين في عهد ثاني ملوكها رمسيس الثالث، وهي ما تسمى بمؤامرة الحريم التي قادتها الملكة “تي” وهي إحدى زوجات الملك رمسيس الثالث. فعندما تأكّدت أن الملك لن يجعل من ابنها “بنتاؤر” ملكا مكانه بعد وفاته عقدت العزم على قتل زوجها.

ودبّرت مؤامرة مع بعض الحريم في القصر الملكي وكبار الموظفين فيه الذين كانوا على صلة وصل بينها وبين عملائهم في صعيد مصر. ولكن المؤامرة انكشفت، وألقي القبض على الجناة وتمّت محاكمتهم مدنيا ودينيا وحكم عليهم بالإعدام. وأجبر ابن رمسيس الثالث بنتاؤر على الانتحار عقابا له، ولم تحنط جثته كما الآخرين عقابا له على فعلة أمه تجاه والده واعتبر نجسا.

ومن العصر الإغريقي تحدّث الكتاب عن أسطورة حصان طروادة الشهير. فبعد أن حاصر الإغريق طروادة مدة تقارب العشر سنوات لم يستطيعوا فيها اقتحام حصون المدينة لجأوا إلى المكيدة والمؤامرة بالاتفاق مع بعض الطرواديين، حيث بنى الإغريقي إبيوس حصانا خشبيا ضخما وأجوفا يبلغ طوله مئة وثمانية أمتار ووزنه ثلاثة أطنان، ويستطيع أن يختبئ فيه المئات من المحاربين.

وتمّ عرض الحصان على أهل طروادة على مقربة من سورها على أنه رسالة سلام، فاستشعر البعض منهم رائحة الخديعة، لكن المتآمر سينون وهو جاسوس إغريقي أقنعهم بقبوله وإدخاله إلى المدينة، فاجتاز الحصان المحمل بالمقاتلين الحصون وصار الجنود المختبئين فيه داخل طروادة.

واحتفلت طروادة بالحدث، وعندما حلّ الليل وكان الناس متعبين وسكارى خرج الإغريق من الحصان الأجوف الضخم وفتحوا أبواب الحصن ودخل الجيش الإغريقي الذي كان مختبئا وفتك بالمدينة وأهلها.

مؤامرات كبار رجال الأعمال والسياسة

مؤامرات النساء

ما من أحد لم يسمع بعبارة “حتى أنت يا بروتوس” التي قالها يوليوس قيصر في آخر لحظاته. والتي كانت في نهاية مؤامرة كبرى نسجها ضدّه مجلس الشيوخ بتنسيق من كبار زعمائه. فبعد أن كبر يوليوس قيصر بالعمر وبات دكتاتورا على كامل الإمبراطورية، خطّط زعيم المؤامرة كاسيوس لقتل القيصر، فاجتمعوا في فجر أحد الأيام في بيت بروتوس وخطّطوا لقتله أثناء وجوده في دار الحكومة في يوم الخامس عشر من مارس.

وحضر القيصر وسط الجماهير التي جاءت لتحيته ودخل القاعة، وهناك طلب منه بروتوس أن يصفح عن رجل كان نفاه، لكن الإمبراطور رفض، فأتى كاسيوس وطعن القيصر في رقبته، ثم عاجله بعض الرجال القريبين منه بعدة طعنات متتالية حسب الاتفاق، فدبّت حالة من الذهول في وجه القيصر الذي كان يتلوّى من الألم، وفي الأثناء اقترب منه بروتوس الذي كان أكثرهم قربا ومودة منه وكان القيصر يعتقد أنه جاء مساعدا، لكن بروتوس عاجله بطعنة كانت الأخيرة والقاتلة، وهي الطعنة التي قال فيها القيصر جملته الشهيرة “حتى أنت يا بروتوس.. إذن ليموت قيصر”.

من أكثر فصول الكتاب تشويقا ما وجد في ذكر قصة الخليفة المقتدر ومصيره المؤسف الذي كانت السبب فيه والدته شغب التي كانت جارية لوالده المعتضد، ولما ولدت له ولدا هو المقتدر، باتت تخشى أن يتولى أحدهم الملك دون ابنها، فصارت تقوم على الفتك بهم وأمهاتهم ما استطاعت إليه سبيلا.

وسمّيت شغب من قبل زوجها الخليفة المعتضد، وبعد فترة من الزمن تنّبه المقتدر إلى أفعال زوجته في قتل نسائه. فحجرها في قصر مع جارية لها تدعى ثمل، وكانت مساعدتها في تدبير المكائد والمؤامرات، وكان للخليفة المعتضد ولد اسمه علي ولقبه المكتفي وكان مرشحا لتولّي العهد.

وعندما مات الخليفة المعتضد خلفه المكتفي، لكنه بعد ست سنوات مات شابا فتولّى الأمر أخوه المقتدر الذي بلغ في ذات اليوم الثالثة عشرة من عمره وصار خليفة. وهي مصادفة تشي بوجود مؤامرة، ومن خلال صغر سن الخليفة الجديد المقتدر صارت أمه شغب متولية أمر الدولة وسمّت نفسها السيدة أم المقتدر وجاريتها ثمل سمتها أم موسى القهرمانة، وعينتها بمكان أشبه بالقاضي في تدبير شؤون الناس يوم الجمعة. وكان للسيدتين نفوذ كبير في مسار حياة الدولة العباسية بمكرهما.

وعندما ثار القائد التركي مؤنس على الخليفة المقتدر، جهّز جيشا لقتاله فأعوزه المال، فطلب مالا من والدته شغب التي لم تعطه. فذهب بجيش متهالك ضعيف فانهزم وقتل وتولّى الخلافة بعده أخوه القاهر الذي نكّل بالسيدة شغب رغم رعايتها له وهو صغير، لأنه كان مقتنعا بأنها من قتلت والدته.

وفي تاريخ الدولة العثمانية العديد من المؤامرات التي كان أشدّها قسوة ما قامت به الملكة صفية، وكانت أميرة من سلالة أسرة من مدينة فينيسيا الإيطالية تمّ سبيها في معركة بحرية وانتهى بها المقام في قصر الخليفة العثماني مراد الثالث، وصارت زوجته وأنجبت له ابنه محمد.

وحين اعتلّت صحة مراد الثالث طلبت من ابنها الذهاب إلى قاعة العرش لتلقي التعازي بوفاة الخليفة الذي كان حيا حينها، فذهب محمد فلم يجد إخوته الثمانية عشر. وعندما سألها قالت له إنهم ينتظرون جثمان والدهم في مخدعه. والحقيقة أنها كانت قد دبّرت خنق كل هؤلاء دفعة واحدة في الليلة السابقة، وأبقت على حياة ولدها محمد الذي صار خليفة عثمانيا بعد والده مراد الثالث بسبب هذه المؤامرة والمجزرة الدموية.

أي تأثير للتجمعات الاقتصادية الكبرى على سياسات الدول؟

وقائع معاصرة

استعرض الكتاب المؤامرات المتتالية التي تمّت بين الحكومات البريطانية والفرنسية والفاشية الألمانية التي حظيت بمستعمرات جديدة لها بعد انهيار الدولة العثمانية وعلى حساب الدولة العربية التي منعت قوى الاستعمار وجودها، فتآمرت القوى الاستعمارية ووضعت خططا منها ما نفّذته الفاشية بالاتفاق مع أغنياء اليهود.

فقامت بمجازر ضد اليهود في أوروبا كي تحثّ جماعات منهم على الهجرة إلى فلسطين العربية، وتكوين وطن قومي لهم فيها على حساب الحق العربي. ويبيّن الكتاب الدور الذي لعبه اللورد بلفور وتشرشل وهرتزل وهتلر وغيرهم في بناء هذا الكيان الغاصب.

يفرد الكتاب مساحة لما قدّمه الكاتب الأميركي من أصل صيني سنوغ هونجيبينغ في كتابه “حرب العملات” الذي فضح فيه المؤامرات التي قامت بها عائلة روتشيلد ضدّ الاقتصاد الصيني بدءا من نهايات القرن التاسع عشر والمكاسب الهائلة التي حقّقتها نتيجة ذلك، وحجم التآمر الذي قامت به مع قادة الدول العالمية الكبرى وأولها الولايات المتحدة.

كما تفرد الكاتبة جزءا من الكتاب لما كان من مؤامرات أثناء الحرب العالمية الثانية، فتكتب عن عملية فالكيري التي استهدفت اغتيال هتلر، وكذلك تحدّثت عن فيليب بيتان المارشال الذي باع فرنسا لهتلر، ثم قدّمت في الفصل الأخير محاور للعديد من المؤامرة والمحاولات لقتل كاسترو وبوش، إضافة إلى نظريات المؤامرة في هجمات الحادي عشر من سبتمبر 2001، أعقبتها بالمؤامرة الأميركية الكبرى لإعادة إنتاج كارثة العراق في سوريا وزرع داعش فيها.

ومن اللافت أن موضوعة المؤامرات العالمية الكبرى التي سجلها التاريخ وجدت في العديد من الأبحاث والدراسات التي تناولت جوانبها المختلفة فظهرت كتب بعدة لغات تحدّثت عن هذه المؤامرات وتاريخها. وصدرت تبعا لذلك كتب كان منها “أحجار على رقعة الشطرنج” للكاتب وليم جاي كار الذي بيّن فيه معلومات سرية عن الثورات الفرنسية والروسية والإنجليزية والإسبانية وتحدّث عن تأثير التجمعات الاقتصادية الكبرى على سياسات الدول.

كذلك ظهر كتاب “بروتوكولات حكماء صهيون” الذي تنصّل منه الكثير من اليهود والذي كشف خططهم في السيطرة على العالم عبر الاقتصاد والميديا والمال والسلاح. وظهر كتاب “الاغتيال الاقتصادي للأمم” لجون بركنز الذي أظهر المؤامرات التي يقوم بها كبار رجال الأعمال والسياسة في الولايات المتحدة للسيطرة على المنظمات المالية الكبرى في سبيل إخضاع الدول النامية لها. كما ظهر كتاب “السيطرة على الإعلام” لنعوم تشومسكي و”لعبة الأمم” لمايلز كوبلند وغيرها.

كلكم بيادق بين يديّ
كلكم بيادق بين يديّ

 

12