"جرار الرّوح".. معرض للمصرية منى حمدي يفيض بالرموز الفرعونية

منى حمدي تقدّم في المعرض ثلاثا وأربعين لوحة تدور في فلك الرسائل الإنسانية المستلهمة من الحضارة الفرعونية.
الاثنين 2021/11/15
مفردات تشكيلية مستلهمة من حضارة مصر القديمة

الأقصر (مصر) – الفيوض الإنسانية وقبول الآخر هما الفلسفة التي تدور حولها لوحات المعرض الأخير للفنانة التشكيلية المصرية منى حمدي، الذي احتضنه غاليري وهبة في ضاحية الزمالك بالعاصمة المصرية القاهرة.

والمعرض الذي حمل عنوان “جرار الرّوح” احتوى على ثلاث وأربعين لوحة دارت في فلك الرسائل الإنسانية والرموز والعناصر المستلهمة من الحضارة المصرية القديمة.

وجميع الأعمال الفنية في المعرض جاءت كنتاج رحلة قامت بها الفنانة المصرية إلى مدينة الأقصر الغنية بمعابد ومقابر ملوك وملكات ونبلاء ونبيلات مصر القديمة، في صعيد مصر، وتجوّلها وسط معابد ملوك وملكات مصر القديمة، ووقوفها وسط أفنية المعابد الضخمة، ورؤيتها لمظاهر عظمة خلود الحضارة المصرية وتاريخها ومعالمها، بجانب تعرّفها عن قُرب على المعالم الأثرية المصرية الضاربة بجذورها في أعماق التاريخ، واطلاعها على ما يرتبط بتلك الحضارة من القصص والحكايات المختلفة التي تقترب في تفاصيلها من الأسطورة، والتي تأثّرت بها كثيرا، حيث يظهر ذلك التأثّر جليا في معرضها “جرار الـرّوح” الذي حاولت من خلاله استعادة روح ورموز وحضارة مصر القديمة برؤية فنية معاصرة.

وتعدّ الأقصر من أعرق وأغنى مدن العالم بالأعمال التشكيلية التي يرجع تاريخها إلى أكثر من خمسة آلاف عام، ففي غرب المدينة ترك الفراعنة العشرات من المعابد وقرابة ثماني مئة مقبرة للملوك والملكات والأشراف والنبلاء، وهي مليئة باللوحات الفنية والتماثيل الضخمة حينا والصغيرة حينا آخر، بجانب العشرات من قطع الأوستراكا التي رُسمت عليها رسوم كاريكاتيرية ساخرة، رسمها قدماء المصريين للسخرية من حكامهم ومن الحياة بكل أشكالها وصورها، وكل هذه الفنون القديمة ألهمت الفنانة لوحات جديدة مُعاصرة تسرد هذا التاريخ وتحتفي به وبإبداعات المصريين القدامى.

ويقول المهتمون برصد تاريخ الحركة الفنية التشكيلية في العالم إنه لولا الفنانين التشكيليين الذين كانوا ينتشرون في الأقصر -وغيرها من مدن مصر التاريخية مثل أسوان وقنا وسوهاج والمنيا والجيزة وغيرها- لما عرفنا شيئا عن الحياة في مصر القديمة، ولما عرف العالم شيئا عن تاريخ الفراعنة وفنونهم وعلومهم، فمعظم المعلومات التي توفّرت عن الحياة في مصر القديمة وعن تاريخ ملوكها أتت من تلك الأعمال التشكيلية التي تكتسي بها جدران وأسقف معابد ومقابر الفراعنة التي احتوت على أروع الفنون والنقوش والرسوم وأعمال نحت التماثيل واللوحات الجدارية التي تجذب أنظار العالم.

ومن هنا فإن العالم مدين في معرفة ما وصله من صور وقصص وروايات عن حياة الفراعنة للفن التشكيلي بكل ألوانه من نحت ونقش ورسم وحتى الكاريكاتير، وهي من آثار الفراعنة وفناني مصر القديمة الذين أبدعوا لوحات وتماثيل تنطق بعظمة الفن في مدن مصر القديمة بوجه عام وفي مدينة الأقصر بوجه عام.

"جرار الرّوح" محاولة تشكيلية من منى حمدي لاستعادة روح ورموز وحضارة مصر القديمة برؤية فنية معاصرة

وعُرفت الأقصر عبر العصور المختلفة بالعديد من الأسماء، ففي بدايتها كانت تسمى “مدينة وايست”، ثم أطلق عليها الرومان اسم “طيبة”، وأُطلق عليها كذلك اسم “مدينة المئة باب”، كما وصفها الشاعر الإغريقي هوميروس في الإلياذة، وسُميت أيضا باسم “مدينة الشمس”، و”مدينة النور”، و”مدينة الصولجان”. وبعد أن فتح العرب بلاد مصر أطلقوا عليها اسم “الأقصر” وهو جمع الجمع لكلمة قصر، حيث أن المدينة تحتوي على الكثير من قصور الفراعنة. ويرجع تأسيس مدينة طيبة إلى عصر الأسرة الرابعة (حوالي عام 2575 ق.م).

وحول مفردات وموضوعات أعمالها بشكل عام قالت الفنانة المصرية الشابة إن تلك المفردات والموضوعات في تغيّر مستمر وإنها كثيرا ما تكون من نتاج التجارب اليومية التي تعيشها، وإنها تحبّ دائما خوض التجارب الفنية الجديدة، حيث تارة تستخدم مفردات من التاريخ مثل التي احتضنها معرض “جرار الرّوح”، ومعرضها السابق الذي حمل عنوان “ملامح زمن”؛ فهما -أي المعرضين- نتاج تجارب لها علاقة بالسفر والقراءة في التاريخ المصري القديم.

وأشارت حمدي إلى أن الأعمال التي سبقت المعرضين الأخيرين كانت نتاج تجارب شخصية لها علاقة بمواجهة مخاوفها الذاتية وحياتها، فكانت العناصر وقتها مستلهمة ممّا يدور في عقلها الباطن وما مرّت به من تجارب يومية.

وأكّدت التشكيلية الشابة “الفن بالنسبة إلي هو المنفذ الدائم للتعبير عن أفكاري ومشاعري، وهو البوابة التي تصل أفكاري للعالم من خلالها، وهي جسري للتواصل مع الآخر”.

شبيهان من زمنين مختلفين
شبيهان من زمنين مختلفين

وحول رؤيتها لحاضر ومستقبل الحركة التشكيلية في بلادها أكّدت حمدي أن مصر تشهد الآن حركات تشكيلية جديدة وتحركات كبيرة في الأوساط الفنية، وأن أنواعا جديدة من الفنون الحديثة ظهرت من خلال المعارض التشكيلية في كامل ربوع البلد، وباتت مصر تشهد حاليا الكثير من عروض الفن المعاصر بجانب انتشار الفن في الشوارع، في تفاعل حي ومباشر بين الفنان والمتلقي، معتبرة أن ذلك يُعدّ خطوة رائعة سيتغيّر بعدها المشهد الفني وسيصبح أكثر تواصلا وقربا من الحركة التشكيلية العالمية.

وبشأن رؤيتها لحضور المرأة في المشهد التشكيلي العربي بشكل عام والمصري بشكل خاص قالت “أعتقد أن المرأة اليوم تخطّت الكثير من العقبات في الكثير من المجالات بوجه عام، وفي الفنون التشكيلية بوجه خاص، وأنه قد أصبح لها دور فعال في المشهد التشكيلي، حيث نجد أن أعداد الفنانات التشكيليات اللاتي يشاركن في الحركة الفنية تفوق أعداد الرجال، وأن ذلك يأتي بجانب ارتفاع أعداد الأكاديميات والطالبات في الكليات الفنية، مثل كليات الفنون الجميلة والفنون التطبيقية والتربية الفنية… وخلال الأجيال القادمة سيكون للمرأة حضور أقوى في الحركة التشكيلية، وبالتالي سوف نشهد الكثير من الطروحات الفنية التي تخصّ المرأة بوجهات نظر أنثوية”.

ومنى حمدي فنانة تشكيلية مصرية درست فنون الغرافيك بكلية الفنون الجميلة في الزمالك، وشاركت في العديد من الملتقيات والمعارض الفنية الجماعية في مصر، وأقامت أول معرض شخصي لها في كلية الفنون الجميلة بمدينة الأقصر، وقد نالت العديد من الجوائز، ولها مقتنيات فنية في مصر وعدد من البلدان الأجنبية، من بينها مقتنيات في مصر وإيطاليا وكوريا الجنوبية وتايوان واليابان وتركيا والمكسيك.

15