هالة الهذيلي بن حمودة تمزج بين التشخيص والتجريد لرسم منمنمات معاصرة

عالم بصري منقسم بين الأسود والأبيض يقنع المتلقي بقدرته على الفهم.
الاثنين 2025/06/16
أجساد متناغمة

هالة الهذيلي بن حمودة رسامة تونسية مميزة توظّف لغة بصرية رمزية للتعبير عن تجاربها الذاتية والاجتماعية، عبر أعمال تُهيمن عليها الرموز الأنثوية، والحروف، والأشكال العضوية التي تُحاكي الطبيعة والجسد. لكنها لا تقدم في لوحاتها أجوبة أو حكايات بصرية واضحة بل هي تسعى دوما كي تُحفّز المُتلقي على التأمل والانخراط في حوار بصري ممتع.

ترسم الفنانة التونسية هالة الهذيلي بن حمودة بروح فنان ينتمي إلى عصر كان فيه الفنان ينفذ أعماله بدقة صانع يوظف حرفته في خدمة خياله، الذي يتجاوز محيطه إلى مشاهد كونية يمكنها أن تكون محل جدل بين الفنانة والواقع الذي تحاول أن تهبه صفات شخصية.

ذلك ما سمح لها بأن تمزج بين التشخيص والتجريد بحيث يمكن النظر إلى رسومها من زاويتين. زاوية يكون الجسد البشري فيها هو سيد اللوحة. تلك محاولة لاستدراج الحواس إلى مناطق، تكون فيها قادرة على تبادل وظائفها. وزاوية أخرى يُتاح للمتلقي من خلالها أن يهمل حواسه المباشرة لكي يعتمد على حدسه في اكتشاف حساسية توتره.

مزاج جمالي مركب

هالة الهذيلي بن حمودة بقدر ما تلعب في رسومها بقدر ما تفكر، وتلك صفة صعبة تشير إلى مزاج جمالي مركب
هالة الهذيلي بن حمودة بقدر ما تلعب في رسومها بقدر ما تفكر، وتلك صفة صعبة تشير إلى مزاج جمالي مركب

ليست هالة الهذيلي من النوع الذي ينفذ أعماله عن طريق الارتجال المباشر. بمعنى أنها لا تنفذ رسومها من غير تحضير مسبق أو على الأقل تفكير يهيئ لها الأرضية التي تقوم عليها مسألة التعرف على مصائر الكائنات والأشكال التي تتصادم في خيالها. إنها رسامة معاصرة تفكر وترى في الوقت نفسه، بمعنى أنها تزاوج أثناء بحثها عن لغتها البصرية الخاصة بين الفكر والمتعة الجمالية.

من المؤكد أن دراستها الأكاديمية للتقنيات المعاصرة كانت قد أضفت على بحوثها الجمالية الكثير من القواعد التي من شأنها أن تهيمن على نتاجها الفني، غير أنها حين ترسم تسعى إلى الإفلات من هيمنة تلك القواعد والتحرر منها بنسب متفاوتة. لكن ما هو ثابت لديها إنما يتصل بميلها الشخصي إلى أن يكون كل شيء موضوعا في مكانه وهو ما يعني أنها لا تسمح بوقوع أي نوع من الفوضى ولا تقبل أن تكون الصدفة مصدرا لإلهامها الجمالي.

هالة الهذيلي رسامة من طراز خاص. ما  معنى ذلك؟

تحتاج رسوم هالة الهذيلي إلى دقة في النظر لتكون تفاصيلها واضحة بما لا يقبل الشك. فالفنانة المولودة عام 1977 والتي تقوم بتدريس علوم وتقنيات الفنون في المعهد العالي للفنون بجامعة سوسة مثلما تمزج بين التشخيص والتجريد فإنها تترك الطرق مفتوحة بين ما هو محدود وما هو لا نهائي، بحيث يمكنها أن ترينا صورا لمجرات دائرية وهي تتفحص حبة رمل على ساحل البحر. فهي ما إن تهتدي إلى التجسيد البصري لفكرتها حتى تُطلق لخيال يدها العنان فترسم ما لم تكن تتوقع أنه سيكون ماثلا أمامها. ليست الصدفة ولكنها الرغبة في الرسم التي تتمكن منها وهي تسعى إلى أن تذهب بمفردتها إلى أقصى احتمالاتها الجمالية.

حساسية مفرطة تجاه الأبيض والأسود
حساسية مفرطة تجاه الأبيض والأسود

لذلك نرى رسومها وهي تكتظ بالأشياء والمخلوقات، لا تضع حاجزا بين ما يمكن إعادته إلى أصول واقعية مرئية وبين ما يظل مقيما خلف حُجب غموضه فلا يُرى. ما يُريحها أن تستجيب صورها لطاقتها التي حين تتوقف عن العمل تكون الصورة قد اكتملت. ذلك لا يعني أنها مع كل صورة تكون على يقين من أنها قد وصلت إلى الصيغة البصرية الكاملة لما كانت قد تفاعلت معه ذهنيا قبل الرسم.

غرام بالثنائيات

تظل تلك الصيغة بمثابة دافع قوي للعودة إلى الرسم. ولأن الرسامة الهذيلي مغرمة بالثنائيات فقد انقسم عالمها بين الأسود والأبيض. وهو ما يشير إلى تمرسها في فحص المسافة بين الليل والنهار وهي مسافة مليئة بالأسرار واللذائذ والغوايات والتأملات والمعاني التي يظل المرء مسحورا بقدرتها على الموازنة بين انغلاقها وانفتاحها، مسافة شهرزاد في الحكايات العربية. لذلك لا تسعى الفنانة إلى إرضاء المتلقي من خلال إقناعته بقدرته على الفهم، وبالقوة نفسها لا تحاول إغضابه من خلال التعالي عليه بعدم الفهم. هناك نوع من التسوية تنطوي عليها رسوم الهذيلي، تسوية عنوانها متعة النظر إلى رسومها وهي متعة ذهنية أيضا.

هالة الهذيلي بن حمودة بقدر ما تلعب في رسومها بقدر ما تفكر، وتلك صفة صعبة تشير إلى مزاج جمالي مركب، ربما اكتسبته هالة من دراستها لعلوم تقنيات الفنون. خيال يدها يقف في موازاة حكمة عقلها.

Thumbnail
15