تبون يقطع الطريق على فرص تطبيع العلاقات الجزائرية - الفرنسية

خرج الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون في حوار مع مجلة “دير شبيغل” الألمانية ليصف التصريحات التي أدلى بها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بالخطيرة جدا ليقطع بذلك الطريق أمام تطبيع العلاقات الجزائرية - الفرنسية.
الجزائر - قطع الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون الطريق أمام فرص تطبيع العلاقات الدبلوماسية بين بلاده وفرنسا بتأكيده أن تصريحات الرئيس إيمانويل ماكرون أضرت كثيرا بمشاعر وذاكرة الجزائريين، وأن أي تسوية لن تكون على حساب الشعب الجزائري.
وأعرب تبون عن استيائه العميق من مضمون التصريحات التي نقلتها منذ أسابيع صحيفة “لوموند” عن الرئيس الفرنسي حول ما أسماه بـ”ارتهان الرئيس الجزائري لدى عصبة حكم صلبة”، في تلميح إلى نفوذ المؤسسة العسكرية في صناعة القرار السياسي المحلي.
وأوضح تبون أن خوض ماكرون في مسائل تاريخية إهانة أثارت غضب نخب سياسية وشعبية في الجزائر ردا على قوله إنه لم يعرف للجزائريين أمة قبل احتلال بلاده لها، وأنه يستغرب منطقهم في التعامل مع الوجود الأجنبي على أراضيهم، ففيما يعتبرون الفرنسيين استعمارا، لا يسقطون نفس الصفة على التواجد العثماني الذي دام ثلاثة قرون.
ووصف الرئيس الجزائري في مقابلة أجرتها معه مجلة “دير شبيغل” الألمانية التصريحات المذكورة بـ”الخطيرة جدا”، وهو ما سيعمق الأزمة الدبلوماسية القائمة بين البلدين، ويؤجل فرص حلها إلى أجل غير مسمى رغم الصمت الذي ساد الأسابيع الأخيرة.
تبون وصف في مقابلة مع مجلة "دير شبيغل" الألمانية تصريحات ماكرون بالخطيرة جدا وهو ما سيعمق الأزمة الدبلوماسية بين البلدين
وكانت الجزائر قد استدعت سفيرها من باريس للتشاور ولا يزال مصيره غامضا، فرغم التسريبات التي تحدثت عن عودته لمواصلة مهامه، إلا أن وزير الخارجية رمطان لعمامرة نفى ذلك في آخر تصريحات صحافية له، كما كان لقاؤه مقتضبا مع نظيره الفرنسي جون إيف لودريان في رواندا على هامش القمة التي جمعت أعضاء الاتحادين الأوروبي والأفريقي تحسبا لقمة دول الجوار الليبي في طرابلس.
كما قررت الجزائر غلق مجالها الجوي أمام الطيران العسكري الفرنسي العامل في مالي ومنطقة الساحل لأول مرة منذ دخوله حيز الخدمة في 2014 خلال حقبة الرئيس الراحل عبدالعزيز بوتفليقة، وهو ما يزيد من متاعب وتكلفة عملية “برخان” التي تشرف باريس على إنهائها في مالي، وذكر تبون في هذا الشأن “إذا أراد الفرنسيون الآن التوجه إلى مالي أو النيجر، عليهم أن يسافروا جوا لمدة تسع ساعات بدلا من أربع”، في تلميح إلى حجم الخدمة التي كانت تقدمها بلاده لفرنسا.
وصرح حينها في أعقاب اللقاء الذي جمعهما نهاية شهر أكتوبر المنقضي بالقول “التقيته وتبادلنا حديث مجاملة”، وهو ما يوحي بأنه لا أفق لعودة علاقات البلدين إلى الوضع العادي.
واختارت “دير شبيغل” مقطع “لو يتصل به ماكرون لن يرد.. لماذا؟” كمدخل لمضمون المقابلة التي سجلت نهاية شهر أكتوبر بالجزائر العاصمة، حيث استبعد فيها الرئيس تبون عودة العلاقات الجزائرية – الفرنسية إلى طبيعتها، وبرر ذلك بأنه “لا يوجد جزائري سيقبل أن تُستأنف الاتصالات مع من أطلقوا هذه الشتائم”.
وأضاف “إنني مستاء للغاية من إيمانويل ماكرون بسبب تصريحاته الخطيرة جد”، وهو ما يعطي الانطباع بأن الأزمة القائمة حجبت لغة التناغم والإطراء التي تبادلها الرجلان منذ قدوم تبون إلى قصر المرادية في ديسمبر 2019، حيث ظلا يتبادلان الثناء والإشادة، وأرجعا مطبات علاقات بلديهما إلى ما أسماه تبون بـ”الدوائر الضاغطة”.
وأكد تبون في تصريحه للمجلة الألمانية بأنه “لا ينبغي المساس بتاريخ الشعوب، ولا يجب أن يهان الجزائريون” في إشارة إلى المقاربة التاريخية التي طرحها ماكرون في معالجة الذاكرة الجماعية وتشكيكه في الماضي التاريخي للجزائر.
وشدد تبون على أنه “لن يكون من يأخذ الخطوة الأولى في تهدئة التوترات مع فرنسا (…) ليس هناك جزائري يقبل بفتح الاتصال مع هؤلاء الذين أهانونا، وأن الرئيس إيمانويل ماكرون أعاد فتح نزاع قديم دون داع”، وهو ما يؤجل تطبيع العلاقات المأزومة الى أجل غير مسمى، ويستبعد جدا برأي مراقبين أن يكون ذلك قبل الانتخابات الرئاسية الفرنسية القادمة في الصائفة القادمة.
وفي المقابل أشاد تبون بالعلاقات الجزائرية - الألمانية، وقال إن “ألمانيا دائما ما تعاملت مع الجزائر باحترام”، وأعرب عن أمنيته في بناء مستشفى كبير في العاصمة الجزائرية بالتعاون مع الحكومة الألمانية المقبلة، وعبر عن استعداد حكومته لتمويل جزء كبير من المشروع، كما أكد على أن الجزائر يمكنها أن تمد أوروبا بالكهرباء المستخرجة بالطاقة الشمسية بمساعدة ألمانية في إشارة إلى مشروع “ديزرتيك” المتوقف.
وكان الرئيس الجزائري قد قضى زهاء ثلاثة أشهر في 2020 بمشفى حكومي ألماني لما أصيب بوباء كورونا، قبل أن تلحق به تعقيدات صحية أخرى، ويسهر على متابعته فريق طبي ألماني، وهي سابقة أولى في تاريخ الرؤساء والمسؤولين الجزائريين الكبار الذين يتوجهون غالبا للعلاج في فرنسا وسويسرا.
وجاء التصريح الأخير للرئيس الجزائري ليزيد من الضغط على الفرنسيين بإبراز قدرة بلاده على بناء شراكات متنوعة بما فيها مع من دول الاتحاد الأوروبي على غرار إسبانيا وإيطاليا وألمانيا، الأمر الذي سيقلص حظوظ فرنسا في الحفاظ على مصالحها التقليدية في أكبر مستعمراتها القديمة.
وتجلى ذلك من خلال حرص الجزائر على تقديم تطمينات للاتحاد الأوروبي حول ضمان إمدادات الغاز في المدى القريب، وتكثيف تعاونها الطاقوي مع إسبانيا وإيطاليا التي يقوم رئيسها سيرجيو ماتاريلا بزيارة إلى الجزائر هي الأولى من نوعها منذ 18 عاما بالنسبة إلى إيطاليا، وهي أول زيارة لرئيس أوروبي للجزائر منذ قدوم تبون إلى قصر المرادية نهاية العام 2019.