شُطبت الطوارئ في مصر متى يُشطب المحررون من عقلية الطوارئ

رد فعل الإعلام المصري والقائمين عليه أظهر عدم وجود تغيرات هيكلية في منظومة وسائل الإعلام التي اعتادت التكيف مع الطوارئ سنوات طويلة.
الثلاثاء 2021/11/02
المحتوى محكوم من المنظومة القديمة وموجه إليها

القاهرة- لم يلتقط المحررون والقائمون على الإعلام في مصر على الفور المغزى الذي انطوى عليه إعلان رفع حالة الطوارئ، فلا الفضائيات ولا المواقع الإلكترونية التي تدور في فلك الحكومة خرجت على المألوف وحاولت الإيحاء بأنها على استعداد للعمل بحرية أكبر، ولا كذلك المشرفون عليها كشفوا عن رغبة في إعادة تدوير المنظومة دون طوارئ.

واتجهت الأنظار إلى وسائل الإعلام مترقبة أداءها بعد الخطوة التي اتخذها الرئيس عبدالفتاح السيسي في الخامس والعشرين من أكتوبر الماضي، برفع قانون الطوارئ، لكن رد فعل الإعلام المصري والقائمين عليه كمقياس لما هو قادم من توسيع في مساحة الحريات العامة، أظهر عدم وجود مؤشرات على انفراجة كبيرة الفترة المقبلة ولن تحدث تغيرات هيكلية في منظومة وسائل الإعلام التي اعتادت التكيف مع الطوارئ سنوات طويلة.

وظهرت مجموعة من المفارقات في الأيام الماضية تعزز ما يقوله بعض خبراء الإعلام من إن المشكلة ليست في القوانين المقيدة للحريات والتضييق الممنهج على وسائل الإعلام، بل في القائمين عليها من القيادات والمحررين.

◄ من الملاحظ أن هناك بوادر انفتاح ظهرت مؤخرا من خلال نشر بعض المقالات التي وجهت انتقادات للحكومة والوضع العام في مصر

وتلقى محرر بأحد المواقع الإلكترونية الخاصة في مصر بيانا من الجهة التي اعتاد أن يتلقى منها بياناته في بعض الملفات الحساسة، وانتبه إلى وجود خطأ لغوي فاضح فيه، من الطبيعي في هذه الحالة أن يقوم بتصحيحه تلقائيا، لكنه لم يجرؤ على القيام بهذا التصرف وعاد إلى رئيس التحرير الذي رأى ضرورة العودة لمخاطبة مصدر البيان (جهة أمنية) وسأل إذا كان ينشر الخبر كما هو، أي بالخطأ، أم يقوم بتصحيحه؟

ليس مهما الإجابة التي تلقاها، وليس مهما اسم الموقع أو رئيس التحرير أو حتى الجهة التي أرسلت البيان، لأن الدلالة الإعلامية التي يحملها الموقف معبرة عن حجم المأساة وتفوق كل ذلك، وهي أن رفع حالة الطوارئ لا يعني المزيد من المرونة أو حدوث تغيير في طريقة تفكير بعض المحررين والمسؤولين عن الإعلام في مصر.

ويدعم هذا الاستنتاج ما لاحظه الكثير من المتابعين، حيث أذاعت ونشرت غالبية إن لم يكن كل الصحف والمواقع الإلكترونية والفضائيات الحكومية والخاصة، تفاصيل تسريبات تتعلق بشتائم كالها قيادي إخواني (أحمد مطر) محسوب على جبهة إبراهيم منير القائم بأعمال مرشد الجماعة ضد القيادي محمود عزت الذي يحاكم حاليا في مصر بتهم عنف وإرهاب، ووصفه بزعيم “العصابة” التي كبدت الإخوان خسائر كبيرة السنوات الماضية، وهي قصة جديرة بالبحث عن خلفياتها السياسية.

وأشار خبراء في متابعة الحركات الإسلامية إلى أن الخبر مهم ويحتاج إلى متابعة وتحليل ورصد إعلامي يشخص الأزمة التي تعصف بالجماعة، لكن ما جرى أن البث الرقمي والفضائي والورقي جاء متشابها وبصياغة واحدة لم تتغير من صحيفة إلى أخرى أو من موقع إلى آخر، ولم يجرؤ محرر على تحرير الموضوع من بعض ألغازه، بما يعني أنه جاء من جهة واحدة لها صلاحيات الأمر والنهي.

وتلقت صحف ومواقع كثيرة، منها اليوم السابع وبوابة الأهرام والوطن والدستور والفجر والمصري اليوم، وفضائية إكسترا نيوز التي أذاعت التسجيل الصوتي، صيغة واحدة قامت ببثها بالصياغة ذاتها، وهي حالة تكررت في قضايا مختلفة، للدرجة التي تأتي في أحيان كثيرة عناوين بعض الصحف الرئيسية متشابهة في صياغتها.

ومن المؤكد أن الجهة الرسمية مصدر الخبر، أي جهة أمنية أو سياسية أو إعلامية، لن تغضب عندما يقوم المحرر بتحليل البيان وتطويره بما يخدم الهدف الذي وزع من أجله، لكن الخوف من عواقب فضيلة التفكير أدى إلى هذه النتيجة السلبية، والتي تحدث عنها أكثر من رئيس تحرير مع بعض المحررين في الغرف المغلقة على أنها تريحهم تماما، وفقا للمثل الشعبي الشائع “اربط الحمار في المكان الذي يريده صاحبه”.

محمد سعد عبدالحفيظ: استمرار الأوضاع دون تغيير له علاقة بقناعات الحكومة

وكانت الأخبار التي انتشرت أخيرا على مواقع التواصل الاجتماعي حول إلقاء القبض على عدد من قيادات وزارة الصحة من قبل هيئة الرقابة الإدارية وإصابة وزيرة الصحة هالة زايد بأزمة نقلت بموجبها على الفور إلى المستشفى، اختبارا لطريقة تعامل وسائل الإعلام مع هذا النوع من الأحداث عقب رفع حالة الطوارئ.

وهي قصة من المفترض أنها مثيرة إعلاميا وتهم شريحة من الرأي العام، وما حدث أن سائل الإعلام الحكومية والخاصة تجاهلت الأمر وتجنبت الإشارة إليه من قريب أو بعيد إلى أن أصدرت النيابة العامة بيانا تم نشر محتواه بلا زيادة أو نقصان.

وسألت “العرب” أحد رؤساء التحرير، رفض ذكر اسمه، عن سبب عدم الاكتراث بهذا الموضوع، وكانت إجابته واضحة بأنه لم يتلق تعليمات بالنشر ولم يصل إليه بيان بالتفاصيل المسموح بنشرها في هذا النوع من القضايا، لذلك لا يجتهد من تلقاء نفسه ولن يسمح لمحرريه بالبحث عن جذور القضية لأن اجتهاده قد يعرضه لمحاسبة قاسية من بعض الجهات المنوط بها الإشراف على الإعلام.

من هنا يُطرح سؤال: شطبت الطوارئ رسميا فمتى يشطب المحررون من عقلية الطوارئ؟ وهي الأزمة التي تبحث عن حل لأن الكثير من هؤلاء المحررين ورؤساء التحرير، ارتاحوا لصيغة تلقي البيانات التي تؤكد ولاءهم للسلطة وتضمن استمرارهم في مواقعهم وعلى مقاعدهم الوثيرة.

وقال عضو مجلس نقابة الصحافيين محمد سعد عبدالحفيظ، إن قانون الطوارئ لم يرتبط مباشرة بالإعلام، وكانت هناك أجواء تضييق عامة انعكست على مناحي الحياة عبر قوانين وضعت قيودا على الممارسة الإعلامية، بالتالي فإلغاء الطوارئ لم يلغ الحالة العامة التي يتدخل فيها مجلس الإعلام والهيئات الإعلامية المختلفة في محتوى الصحف والمواقع الإلكترونية والفضائيات.

وأضاف في تصريح لـ”العرب” أن استمرار الأوضاع دون تغيير له علاقة بقناعات الحكومة التي ما تزال لديها تخوفات من حرية التعبير، وثمة قوانين لابد من تعديلها أولا مثل قانون تنظيم الإعلام، وقوانين الإرهاب، وقوانين الإجراءات الجنائية التي تسمح بالحبس في قضايا النشر بما يتعارض مع الدستور المصري.

من الملاحظ أن هناك بوادر انفتاح ظهرت مؤخرا من خلال نشر بعض المقالات التي وجهت انتقادات للحكومة والوضع العام في مصر، واستضافت عددا من رموز المعارضة على فضائيات رسمية أو قريبة منها، بما يشي بوجود رغبة لتوسيع هامش الحرية، لكن متى تنتقل هذه الرغبة للمسؤولين مباشرة عن الإعلام.

16