ترقب تركي لضوء أخضر أميركي في شمال سوريا

تعكس تصريحات الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الاثنين بأن الدعم الأميركي للأكراد شمال سوريا لن يستمر ملامح صفقة بين أنقرة واشنطن، في ظل ما يتداول على نطاق واسع بأن الولايات المتحدة قد تخلت فعليا عن حلفائها الأكراد في المنطقة. و رغم نفي المسؤولين الأميركيين تبدو الوقائع على الأرض مغايرة تماما.
الحسكة ( سوريا) - مع تقاطع الأنباء حول وجود نية تركية لشن هجوم عسكري في شمال سوريا، كشفت وسائل إعلام روسية عن تحضيرات يقوم بها الجيش التركي للبدء بعمليتين عسكريتين متزامنتين في سوريا قد تنطلقان في أيّ لحظة.
وأدخل الجيش التركي الاثنين رتلا جديدا مؤلفا من عربات عسكرية وشاحنات نقل ثقيلة تحمل كميات كبيرة من الأسلحة والعتاد اللوجستي إلى العديد من المناطق لتعزيز قواعده في منطقة رأس العين بريف الحسكة.
وذكرت مصادر محلية من المنطقة أن رتلا عسكريا يضم العشرات من الشاحنات والعربات القتالية وناقلات الجند قادما من الأراضي التركية دخل في ساعات متأخرة من ليل الأحد إلى مدينة رأس العين ومحيطها بالريف الشمالي الغربي لمدينة الحسكة.
وأضافت المصادر أن الرتل ضم أسلحة نوعية من بينها مدفعية ثقيلة ومضادات دروع وكميات كبيرة من الذخائر المتنوعة، إضافة إلى ناقلات الجند المتطورة التي تدخل في تسليح حلف شمال الأطلسي (الناتو)، تم توزيعها وتفريغها في العديد من المناطق في مدينة رأس العين وريفها الشمالي حيث تنتشر القواعد التركية ومواقع التنظيمات المسلحة التابعة لها.
ويأتي التحشيد التركي بعد سويعات من لقاء الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بنظيره الأميركي جو بايدن على هامش قمة العشرين في إيطاليا الأحد، أين ناقشا الأوضاع في سوريا، فيما أكد متابعون أن تركيا ربما تلقت ضوءا أخضر أميركيا بإرسال معدات عسكرية إلى شمال سوريا دون الدخول في مواجهة مباشرة مع قوات سوريا الديمقراطية (قسد) في الوقت الراهن.
وأكد أردوغان في مؤتمر صحافي الاثنين عقب لقاء بايدن صحة هذه الترجيحات عندمنا قال بأن “الدعم الأميركي للقوات الكردية في سوريا لن يستمر على هذا النحو”.
ويشكّل ملف دعم الولايات المتحدة لقوّات سوريا الديمقراطية، واحداً من أبرز نقاط الخلاف بين الجانبين.
ويوجه المسؤولون الأتراك وعلى رأسهم أردوغان انتقادات حادة للولايات المتحدة بسبب دعمها المتواصل لقوات قسد، التي كانت قد ساهمت إلى حد كبير في القضاء على وجود تنظيم داعش في مناطق الشمال والشمال الشرقي من سوريا.
ويرى الباحث السياسي رضوان أوغلو أن “العمليّة التركية في شمال شرق سوريا، هي أصعب عمليّة عسكريّة للأتراك ومختلفة عن سابقاتها، وذلك من الناحية السياسيّة”.
ويؤكد أوغلو أن العمليّة لا يمكن لها أن تبدأ دون موافقة الولايات المتحدة، والتي يبدو أنها لن تقبل بهذه العمليّة وفق الظروف الراهنة.
ويعتقد الباحث السياسي أن “تركيا ليست لديها مشكلة في دخول قوّات النظام وروسيا إلى تلك المناطق كبديل عن قوّات سوريا الديمقراطية”، وبالتالي التراجع عن العمليّة العسكريّة، لكنه يؤكد في الوقت ذاته أن “هذا كله لا يمكن أن يحدث دون موافقة أميركيّة”.
وذكرت مصادر من المعارضة السورية أن تركيا تستعد لإطلاق عمليتين عسكريتين جديدتين في سوريا قد تنطلقان في أيّ لحظة.
وأوضحت المصادر أن التشكيلات المسلحة الموالية لتركيا وضعت في حالة التأهب القتالي التام، تلبية لتوجيهات من أنقرة، حيث تم تقسيم الوحدات المسلحة كي تعمل على عدة اتجاهات في محافظة إدلب وبعض القرى في ريفي مدينتي مارع وأعزاز وقرب مطار منغ العسكري في محيط مدينة منبج، وكذلك عند الحدود مع القامشلي والحسكة.

وتستعد الفصائل السورية المعارضة المدعومة من أنقرة لشن عمليتين عسكريتين في آن واحد، إحداهما في محافظة إدلب بغية دعم التشكيلات المسلحة المتواجدة هناك والثانية في شمال شرق البلاد ضد قوات سوريا الديمقراطية ذات الأغلبية الكردية.
ويرى محللون أن العائق الذي يقف أمام تركيا ليس عسكريّا، حيث أنها تمتلك المعدات العسكرية اللازمة لبدء المعركة في شمال سوريا تزامناً مع التعزيزات العسكريّة التي استقدمتها، وإنما العائق بالدرجة الأولى هو انتظار الوصول إلى توافقات مع الجانبين الأميركي والروسي.
ويشير هؤلاء إلى أن التحرك العسكري التركي للسيطرة على مدن وبلدات استراتيجية في سوريا يحتاج إلى تفاهمات سياسية ممهدة مع الأطراف الدولية الفاعلة، وهو ما ليس متحققا الآن.
وتخضع المعادلة العسكرية في سوريا لحسابات الدول التي لها جيوش على الأرض وتتقاسم النفوذ فيها، إضافة إلى أن العلاقة التركية – الأميركية ليست في أفضل حالاتها الآن.
وشنّت أنقرة والفصائل السورية الموالية لها ثلاث عمليات واسعة النطاق في السنوات الأخيرة (2016 و2017 و2018 وأكتوبر 2019) على طول حدودها مع سوريا، حيث يعيش عدد كبير من الأكراد، لطرد وحدات حماية الشعب الكردية، العمود الفقري لقوات سوريا الديمقراطية، التي تعتبرها أنقرة امتدادا لحزب العمال الكردستاني، لكنها مدعومة من الولايات المتحدة.
وقال العضو في هيئة المصالحة السورية سابقاً عمر رحمون “ربما نحن أمام عملية تركية وشيكة، هدفها تل رفعت في ريف حلب الشمالي ومنبج في ريف حلب الشرقي وعين العرب وعين عيسى وتل تمر”.
ورأى رحمون أن “تركيا لا تتجرأ على أن تدخل إلا بموافقة أميركية، وقد انتهت ورقة (قسد) بالنسبة إلى الأميركيين”.
ولم يستبعد المحلل العسكري منير الحريري وجود صفقة يتم التحضير لها حالياً بين روسيا وتركيا، تتضمن إطلاق يد القوات التركية شمال سوريا، وإعطائهم المسافة التي يتحدثون عنها، وهي عمق 30 كيلو مترا، بدءا من مدينة عفرين بريف حلب الشمالي، وذلك بمقابل السماح بالقضاء أو تفكيك هيئة تحرير الشام (جبهة النصر سابقا).
وبالنظر إلى التطورات الحالية أكد الحريري أن الشهر القادم سيكون حاسما بالنسبة إلى إدلب، وهو شهر الحل العسكري، بالنسبة إلى المناطق اللي تم الاتفاق عليها بين الروس والأتراك.
ويرى خبراء أن أنقرة تريد تحييد تهديد الأكراد الذين استقروا في شمال سوريا. وكان الأتراك سيطروا بين عامي 2016 و2019، على العديد من المناطق هناك، وهم يسيطرون اليوم على الحدود من بندر خان إلى رأس العين، وكذلك من جرابلس إلى ساحل البحر الأبيض المتوسط.
ومع ذلك ، فإن المنطقة الواقعة بين جرابلس وبندر خان كانت في أيدي وحدات حماية الشعب الكردية منذ سنوات عديدة.
ومن الأهداف الرئيسة للعملية المقبلة بلدة كوباني الحدودية على بعد 415 كيلومترا شمال شرق دمشق. ويدافع الأكراد عن هذه المدينة منذ عام 2012، ضد داعش أولا، ثم ضد الجيش التركي.
ويفترض هؤلاء أن أنقرة تسعى للسيطرة على المنطقة الواقعة جنوب كوباني من أجل ربط المنطقتين الخاضعتين لسيطرتها ولتحصل على موطئ قدم في شمال سوريا. والهدف الثاني الأقل وضوحًا لأنقرة هو تغطية وكلائها في إدلب من ضربة محتملة لدمشق.