المبعوث الأممي إلى السودان يبحث خيارات الوساطة

يترقب السودانيون بحذر نتائج الوساطة الداخلية المدعومة خارجيا لإنهاء الأزمة واستعادة الحكم المدني. وتبدو شروط رئيس الوزراء المعزول عبدالله حمدوك معاكسة لمقترحات قائد الانقلاب الفريق أول عبدالفتاح البرهان، إلا أن الضغوط الداخلية والخارجية قد تجبر البرهان على القبول بشروط حمدوك المدعوم دوليا.
الخرطوم - قالت أوساط سياسية سودانية إن الوساطة التي تقودها شخصيات داخلية وأطراف خارجية بين المكونين المدني والعسكري في السودان تعد السيناريو الأفضل لتجاوز الأزمة السياسية وتجنب انزلاق البلاد في الفوضى، فيما أبدى رئيس الوزراء المعزول عبدالله حمدوك انفتاحا مشروطا على الوساطة.
وبحث ممثل الأمم المتحدة الخاص بالسودان فولكر بيريتس مع حمدوك الأحد خيارات الوساطة والخطوات التالية المحتملة، وذلك تزامنا مع إغلاق متظاهرين مناهضين للانقلاب في السودان الطرقات في العاصمة الخرطوم مطالبين بـ”إسقاط حكم العسكر” بعد نحو أسبوع على انقلاب الجيش.
وتشكل المعارضة الشعبية الكبيرة أكبر تحد للفريق أول ركن عبدالفتاح البرهان منذ إطاحته بحكومة حمدوك الاثنين الماضي واعتقاله ساسة بارزين.
الأمور تتجه للتوصل إلى تسوية بما يضمن إرضاء المكون العسكري والاستجابة لمطالب تشكيل حكومة مدنية
وقال بيريتس في تغريدة “بحثنا خيارات الوساطة وسبل المضي قدما بالنسبة إلى السودان. سأواصل الجهود تلك مع أصحاب الشأن في السودان”. وجاء الإعلان عن جهود الوساطة من جانب المجتمع الدولي وداخل السودان قبل احتجاجات السبت دون أن يرد أي ذكر لنتائجها.
وقالت مصادر مقربة من حمدوك إنه طالب بإطلاق سراح المعتقلين والعودة إلى اتفاق تقاسم السلطة الذي كان قائما قبل الانقلاب. وكان ضغط المدنيين لتولي قيادة المرحلة الانتقالية من الجيش في الأشهر المقبلة، وهي مسألة لم يتفق عليها الجانبان، بين مصادر التوتر العديدة بينهما.
ويعول الجيش السوداني على نجاح الوساطة التي تقودها رموز سياسية من أطراف متباينة يقودها الصحافي محجوب محمد صالح، ومدير جامعة الأحفاد للبناء بأم درمان قاسم بدري، ورجل الأعمال أنيس حجار، في الضغط على حمدوك للقبول بتولي المنصب مجددا، بمشاركة أوسع للمكونات المدنية والشباب في هياكل الفترة المقبلة.
وقالت مصادر سودانية مطلعة لـ”العرب” إن الوساطة التي تتولاها سبع شخصيات عامة تتضمن تشكيل مجلس الدفاع العام برئاسة البرهان، وتعيين حمدوك رئيسا للحكومة مع وزراء تكنوقراط، إلى جانب تشكيل المجلس التشريعي بنسبة تمثيل تصل إلى 40 في المئة من الشباب، وتشكيل مجلس شيوخ ليكون بديلا لمجلس السيادة ويتكون من 100 شخصية سياسية ومدنية وعسكرية.
وأضافت المصادر ذاتها أن الأمور تتجه للتوصل إلى تسوية سياسية بما يضمن إرضاء المكون العسكري عبر إبعاد القوى الحزبية من العمل التنفيذي، والاستجابة لمطالب الشباب بتشكيل حكومة مدنية وإنهاء الإجراءات الاستثنائية المتبعة والإفراج عن المحبوسين وتشكيل حكومة بعيدة تماما عن أي توجهات للمكون العسكري.
وذكر البرهان، الذي يواجه ضغوطا في الداخل والخارج لإعادة السلطة للمدنيين، أنه قد يتم الإعلان عن رئيس وزراء من التكنوقراط في غضون أسبوع، وترك الباب مفتوحا أمام الرجل الذي أطاح به للعودة وتشكيل حكومة جديدة.
ويؤكد البرهان أنه أطاح بالحكومة لتجنب حرب أهلية بعد أن أجج سياسيون مدنيون العداء للقوات المسلحة. ويقول إنه لا يزال ملتزما بالتحول الديمقراطي بما في ذلك الانتخابات بحلول عام 2023 لكنه يفضل حكومة تستبعد السياسيين الحزبيين.
وقال وزير في حكومة حمدوك المخلوعة طلب عدم الكشف عن هويته إن أعضاء الحكومة لا يعارضون التنحي جانبا لتشكيل حكومة جديدة شريطة أن يقودها ويختارها حمدوك وأن تتم استعادة الاتفاق الانتقالي بالكامل.
وقتل ما لا يقل عن 14 محتجا في اشتباكات مع قوات الأمن منذ الأسبوع الماضي بمن فيهم الذين سقطوا السبت.
ودخلت نقابات الأطباء والمصرفيين والمعلمين وغيرهم من الجماعات المهنية في إضراب منذ الأسبوع الماضي وتقول إنها ستواصل ذلك الإجراء الاحتجاجي لحين تلبية مطالبها، بينما أقامت لجان المقاومة حواجز في الأحياء ووضعت جداول للاحتجاجات.وقتل ما لا يقل عن 14 محتجا في اشتباكات مع قوات الأمن منذ الأسبوع الماضي بمن فيهم الذين سقطوا السبت.

فولكر بيريتس: بحثنا خيارات الوساطة وسبل المضي قدما بالنسبة إلى السودان
وتتراوح المطالب من العودة إلى اتفاق تقاسم السلطة الذي كان ساريا قبل الانقلاب إلى توجيه اتهامات جنائية لقادته.
ومنذ الأسبوع الماضي تغير المشهد تماما في السودان بعد سنتين من حكم انتقالي هش. ففي العام 2019 اتفق العسكريون الذين تولوا السلطة بعد الإطاحة بعمر البشير إثر حركة احتجاجات شعبية عارمة غير مسبوقة، والمدنيون الذين قادوا تلك الاحتجاجات، على تقاسم السلطة لمرحلة انتقالية يتم في نهايتها تسليم الحكم إلى حكومة مدنية منتخبة ديمقراطيا.
لكن البرهان أعلن الاثنين الماضي حل مؤسسات الحكم الانتقالي، مطيحا بشركائه المدنيين من السلطة، وأيضا بآمال التحوّل الديمقراطي.
وفور إطاحة البرهان المدنيّين، بدأ السودانيّون “عصيانا مدنيا” وأقاموا متاريس في الشوارع لشلّ الحركة في البلاد، ما دفع قوات الأمن إلى استخدام الرصاص المطاطي والغاز المسيل للدموع ضدهم.
ويقول خبراء إن الناشطين أكثر تنظيما الآن بفضل تجربة 2019. ويحظون بدعم المجتمع الدولي الذي فرض عقوبات على العسكريين.
والخميس طالب مجلس الأمن الدولي في بيان صدر بإجماع أعضائه، بـ”عودة حكومة انتقاليّة يديرها مدنيّون”، مبديا “قلقه البالغ حيال الاستيلاء العسكري على السلطة”.
وقال الرئيس الأميركي جو بايدن الخميس “رسالتنا معا إلى السلطات العسكرية في السودان واضحة، ينبغي السماح للشعب السوداني بالتظاهر سلميا، وإعادة السلطة إلى الحكومة الانتقالية التي يقودها مدنيون”.
وأدى الانقلاب إلى تجميد المانحين مساعدات تشتد الحاجة إليها في بلد يعاني أكثر من نصف سكانه من الفقر وأدت المصاعب فيه إلى تأجيج الاضطرابات والحروب الأهلية. وبعد عقود من العزلة الدولية في عهد عمر البشير، تمكن السودان أخيرا من الحصول على المساعدات الغربية التي لم تبدأ إلا منذ عهد قريب في جلب بعض الاستقرار للاقتصاد السوداني.
وجمدت الولايات المتحدة مساعدات قدرها 700 مليون دولار، كما أوقف البنك الدولي، الذي منح السودان حق الحصول على تمويل بقيمة ملياري دولار في مارس، مدفوعاته.
وقال صندوق النقد الدولي، الذي وافق على تمويل قدره 2.5 مليار دولار للسودان في يونيو إن من السابق لأوانه التعليق على تداعيات سيطرة الجيش على السلطة. كما قرّر الاتّحاد الأفريقي تعليق عضويّة الخرطوم، وطالب مجلس الأمن بالدفع باتّجاه العودة إلى مؤسّسات الحكم الانتقالي التي كان يُشارك فيها المدنيّون.