الدقم تفتح أبوابها أمام الاستثمار في الإنشاءات بالطباعة ثلاثية الأبعاد

سرّعت سلطنة عمان من وتيرة خطواتها باتجاه استخدام الحلول الذكية في عمليات التشييد والبناء وخاصة في المنطقة الاقتصادية بالدقم التي فتحت أبوابها أمام الاستثمار في الإنشاءات بالطباعة ثلاثية الأبعاد، في مسعى من مسقط إلى نشر هذا الأسلوب مستقبلا أسوة بالعديد من بلدان العالم لخفض النفقات وتقليص الوقت أثناء تنفيذ الإنشاءات والبنية التحتية.
مسقط - تعمل الحكومة العمانية بجد خلال هذه الفترة على بلورة خططها المتعلقة بتجسيد الثورة الصناعية الرابعة واقعيا في كل مظاهر الحياة الاقتصادية بالبلاد.
وفي تأكيد على ذلك المسعى، أعلنت المنطقة الاقتصادية الخاصة بالدقم مؤخرا أنها تريد جذب الشركات العالمية المهتمة بالاستثمار في التطوير العقاري والإنشاءات باستخدام تقنية الطباعة ثلاثية الأبعاد.
وتساعد هذه التقنية على تخفيض تكاليف الجمع والنقل والبناء، بحيث يمكن الحصول على مكان للعيش صديق للبيئة وبأسعار معقولة، بالإضافة إلى أنها أسرع وأوفر وأسهل في الاستعمال من التكنولوجيات الأخرى للتصنيع.

صالح الهاشمي: منطقة الدقم توفر بيئة مناسبة وجاذبة لتجربة هذه التقنية
وتسعى مسقط للحاق بركب جيرانها في منطقة الخليج من بوابة استكشاف الفرص الكامنة في توظيف تقنيات الثورة الصناعية الرابعة في القطاعات الإنتاجية حتى تحفز اقتصادها وتجعله ينمو بوتيرة مستدامة.
ويواجه البلد الخليجي، وهو أضعف اقتصادات المنطقة إلى جانب البحرين، تحديات مالية وديونا مرتفعة وبطالة عالية جعلت السلطات تفكر بجدية في تغيير نموذج التنمية الذي يجعل من استخدام التكنولوجيا إحدى أبرز ركائزه.
ولدى المسؤولين قناعة كبيرة بأن بلدهم لديه الفرص والإمكانات والأدوات اللازمة حتى يضع الاقتصاد على درب النهوض وتعزيز جاهزيته للمستقبل وتطوير حلول مبتكرة للتحديات القادمة لمواكبة متطلبات المرحلة المقبلة وصولا إلى تحقيق أهداف “رؤية 2040”.
ودعا صالح الهاشمي مدير عام التخطيط والشؤون الهندسية بالمنطقة الاقتصادية بالدقم السبت الماضي الشركات المتخصصة في مجال تقنيات البناء الحديثة إلى استكشاف فرص الاستثمار عبر تجهيز عدد من المواقع المتاحة لاستخدام تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي لتشييد المباني والمرافق الخدمية وإقامة مشاريع نوعية في المنطقة الاقتصادية الخاصة بالدقم.
ونسبت وكالة الأنباء العمانية الرسمية إلى الهاشمي الذي يرأس فريق تقنيات البناء الحديثة والطباعة ثلاثية الأبعاد للمباني بالمنطقة قوله إن “المنطقة يمكنها أن توفر بيئة مناسبة وجاذبة لتجربة هذه التقنيات من الشركات المتخصصة في مجال تقنيات البناء الحديثة والاستفادة من هذه البيئة عبر تجهيز بعض المباني ومن ثم الترويج لها داخل وخارج السلطنة”.
وأضاف “المنطقة الاقتصادية بالدقم ترحب بمبادرات شركات القطاع الخاص والمؤسسات البحثية المحلية والعالمية للتوسع في خدماتها وأنشطتها وتطوير أعمالها في المنطقة”.
وتابع “هذا الأمر سوف يشجع المستثمرين على استخدام التقنيات الحديثة التي تقلل من مدة الإنشاء والتكلفة المالية للمشاريع وتوفر في ذات الوقت مباني صديقة للبيئة”.
ويبدي فريق تقنيات البناء الحديثة والطباعة ثلاثية الأبعاد للمباني بالمنطقة استعداده لتقديم المساندة والدعم للشركات المتخصصة والمهتمين في مجال التطوير العقاري والبناء بتقنيات الطباعة ثلاثية الأبعاد من خلال التواصل عبر قنوات التواصل.
وتعد هذه التقنية نقلة نوعية في قطاع الإنشاءات وتوفر بديلا مستداما لأساليب البناء التقليدية، كما ستُسهم هذه التقنية في تسريع عمليات البناء وتقليل النفايات وتمكين الكوادر العُمانية الماهرة.
وتشير التقارير الدولية إلى أن لتقنيات الطباعة ثلاثية الأبعاد دورا في توفير كلفة البناء بنسبة تصل إلى نحو 70 في المئة وكلفة العمالة بنسبة تتراوح بين 50 و80 في المئة، إضافة إلى تقليل نسبة النفايات الناجمة عن عمليات الإنشاء بنسبة تصل إلى 60 في المئة.
وأقر مجلس إدارة الهيئة العامة للمناطق الاقتصادية الخاصة والمناطق الحرة منتصف يونيو الماضي السماح بالبناء باستخدام تقنيات البناء الحديث ومنها تقنيات الطباعة ثلاثية الأبعاد في المنطقة الاقتصادية الخاصة بالدقم والمناطق الحرة.
ومن أجل إنجاح خطواته قدم حزمة من الحوافز والتسهيلات للشركات، التي تختار استخدام تقنية البناء بالطباعة ثلاثية الأبعاد، بما في ذلك الإعفاء من رسوم الإيجار لمدة تصل إلى خمس سنوات.
وفرضت التحولات الاقتصادية المتسارعة على مسقط التركيز على التكنولوجيا لتعزيز كفاءة هذا المجال، ومن هذا المنطلق تسعى للاستفادة أكثر من التجارب العالمية في هذا المضمار لنشرها تدريجيا في كافة القطاعات الاقتصادية.
وأعطت الحكومة لمشروع منطقة الدقم الاقتصادية في أبريل 2019 زخما مهما بتوقيع اتفاق لتحويلها إلى مدينة ذكية، وذلك في إطار محاولات مسقط لتنويع الاقتصاد ومصادر الإيرادات من أجل خفض اعتماد البلاد على عوائد صادرات النفط.
تقنيات الطباعة ثلاثية الأبعاد توفر من كلفة البناء بنسبة 70 في المئة ونسبة 60 في المئة من النفايات الناجمة عن عمليات الإنشاء
وظهرت تجارب في الآونة الأخيرة على جنوح مسقط إلى استخدام هذه التقنية في الإنشاءات، فقد دشنت شركة تنمية نفط عُمان وشركة التكنولوجيا المبتكرة للحلول التعليمية (إنوتك) وشركة جلفار للهندسة والمقاولات في يونيو الماضي منشأة للطباعة ثلاثية الأبعاد للخرسانات في منطقة غلا الصناعية.
وجاء تأسيس المنشأة في إطار مذكرة التعاون الموقعة في مايو 2021 للبحث والتطوير بمجال تقنية الطباعة ثلاثية الأبعاد للخرسانات في عُمان ابتغاء زيادة القيمة المحلية المضافة وتعزيز الشراكة بين مؤسسات القطاع الخاص.
وهذا الاتجاه لم يكن الأول من نوعه في البلد الخليجي، فقد ذكرت وسائل إعلام محلية نهاية مايو الماضي أن الهيئة العامة للمناطق الاقتصادية الخاصة وقعت اتفاقية مع شركة إنوتك لاستخدام تقنية الطباعة ثلاثية الأبعاد في عمليات التشييد.
وفي تجربة فريدة أخرى بدأت المؤسسة العامة للمناطق الصناعية (مدائن) في سبتمبر الماضي، في اعتماد منهجية للاستفادة من تقنيات الثورة الصناعية الرابعة بهدف إيجاد النموذج الأمثل للاستفادة من تطبيقات التّقنيات الحديثة وتوفير فرص متنوعة للأعمال وتجاوز التحديات المرتبطة بإدارة عمليات المدن الصناعية التابعة لها.
وأكدت هدى البطاشية مديرة مشروع التحول الرقمي في مدائن حينها أن المؤسسة عملت على صياغة أولويات المرحلة القادمة وتحديد مواطن الاستفادة من التقنيات الناشئة المرتبطة بعدة محاور حيوية وخاصة المتعلقة بخدمة المستثمرين والبنية الأساسية والأنظمة التقنية والرقمية.