لا شراكة بين الأهرام المصرية والمكتبة الوطنية الإسرائيلية

أثار خبر مشاركة المكتبة الوطنية الإسرائيلية لأرشيف صحيفة الأهرام المصرية أزمة وسط الجماعة الصحافية، فيما أكدت مصادر صحافية لـ”العرب” أن مؤسسة الأهرام لم توقع عقدا مباشرا مع أي جهة في إسرائيل، وفتحت المؤسسة تحقيقا في هذا الخصوص.
القاهرة – تسبب إعلان المكتبة الوطنية الإسرائيلية عن تدشين أرشيف رقمي لصحيفة الأهرام المصرية الحكومية في ردود فعل سلبية وسط الجماعة الصحافية بمصر، في ظل صمت المسؤولين في المؤسسة العريقة وعدم الرد الفوري على الإعلان.
وعلمت “العرب” أن مؤسسة الأهرام لم توقّع عقدا مباشرا مع أي جهة في إسرائيل، وأن رئيس مجلس إدارة المؤسسة عبدالمحسن سلامة يقوم حاليا بإجراء تحقيق قانوني حول هذه القضية وكشف الغموض الذي يكتنف مسألة وصول أرشيف الجريدة -التي مضى على تأسيسها نحو 150 عاما- إلى المكتبة الإسرائيلية، ومعرفة الجوانب المختلفة وتوضيحها أمام الرأي العام.
إسماعيل العوامي: إسرائيل حاولت أن تستغل اسم الأهرام للإيحاء بوجود علاقة قوية مع المؤسسة، وهذا غير صحيح
وأوضحت مصادر مطلعة أن مؤسسة الأهرام فتحت ملف هذه الواقعة للوقوف على بداية إبرام العقد وبنوده وأهدافه، ولم تنته التحقيقات بعد، وأن الإعلان بهذه الطريقة من جانب إسرائيل كان يرمي إلى الإيحاء بأن هناك تطبيعا ثقافيا مع أكبر المؤسسات الصحافية في مصر لأغراض سياسية.
وأكد إسماعيل العوامي عضو مجلس إدارة مؤسسة الأهرام أن “إسرائيل حاولت أن تستغل اسم الأهرام الكبير للإيحاء بوجود علاقة قوية مع مؤسسة صحافية وطنية، وهذا غير صحيح ولا يمكن حدوثه، والمؤسسة ملتزمة بقرار نقابة الصحافيين بعدم التطبيع مع إسرائيل أو إقامة أي علاقات ثقافية معها”.
وأضاف لـ”العرب” أن “واقعة التشارك في أرشيف الأهرام حدثت منذ عام 2013، وكانت بين المؤسسة وإحدى المكتبات الأميركية، وليس إسرائيل، ولا يوجد في السابق أو حاليا أي تعاون بين الأهرام وإسرائيل، وهذه مبادئ راسخة لا يمكن التهاون فيها”.
ونشرت صفحة “إسرائيل بالعربية” -وهي الصفحة الرسمية لوزارة الخارجية الإسرائيلية- تغريدة ثانية من خلال حسابها الرسمي على تويتر الجمعة قالت فيها “توضيح بخصوص الأرشيف الرقمي لصحيفة الأهرام، ينبغي التنويه إلى كون الأرشيف متاحا فقط ضمن قاعدة البيانات الخاصة بالمكتبة الوطنية الإسرائيلية، وفقط للباحثين والطلاب في إسرائيل، ونأسف على سوء التفاهم بهذا الخصوص”.
وكانت الصفحة ذاتها نشرت تغريدة أولى الأربعاء أكدت فيها أن المكتبة الوطنية الإسرائيلية في مدينة القدس دشنت أرشيفًا رقميًا لصحيفة الأهرام.
وأفادت بأن المشروع الجديد يهدف إلى إطلاع الجمهور على مخزونها من الوثائق والمعلومات، حيث ارتأت أن تضع بين أيدي القراء نسخًا من صحيفة الأهرام التي تأسست في عام 1875.
وتجاهلت التغريدة الأولى أن توافر الأرشيف جاء عن طريق موقع أميركي يُسمى “إست فيو” يملك قاعدة بيانات وأرشيفا ضخما للكثير من صحف العالم، ويتيح للجمهور من جميع أنحاء العالم الاطلاع عليه عن طريق الاشتراك.
وقامت المكتبة الوطنية الإسرائيلية بالاشتراك في الموقع مثل غيرها، بما يتيح للمستخدمين في إسرائيل الوصول إلى أرشيف الأهرام من خلال الموقع الأميركي.
وكل ما ظهر على الصفحة الإسرائيلية بعد التغريدة الأولى حول الأهرام كان عبارة عن معلومات هامشية عنها، ما يوحي بأن المكتبة الوطنية لم تحصل بعد على كافة حقوق الملكية الفكرية التي تتعلق بالأرشيف الكامل.
ولفت خبراء إعلام إلى أن صورة أرشيف الأهرام التي تحدثت عنها التغريدة هي صورة المكتبة الإسرائيلية من الموقع الأميركي، وهو معروف في مجال توفير خدمات المعلومات والدوريات والصحف باللغات الأجنبية، ومن بينها العربية.
ويخدم الموقع جميع المناطق الجغرافية ومؤسسات أكاديمية ومنظمات حكومية وشركات ومكتبات عامة واتحادية وباحثين، إلى جانب شركات محاماة، في كل دول العالم من خلال نظام الاشتراك الشهري أو السنوي.
وتؤكد هذه المعلومة أن المكتبة الوطنية الإسرائيلية أقامت شراكة تستفيد من المحتوى العام لقاعدة البيانات التي يقدمها الموقع الأميركي، وأرشيف الأهرام هو جزء منها، وبالتالي لها صلاحية الوصول إليه.
ويقع المقر الرئيسي لـ”إست فيو” في مينيابوليس بالولايات المتحدة، وللشركة مكاتب دول عديدة، وتم إنشاء الموقع عام 1989، وقد قام بتطوير شبكة استحواذ واسعة النطاق تستطيع تلبية الحاجة إلى المعلومات في مجالات مختلفة.
وكشف الخبير الإعلامي حسن علي لـ”العرب” أن “وصول أرشيف الأهرام إلى إسرائيل بأي طريقة مباشرة أو غير مباشرة جزء من التفريط في أرشيف الإعلام الوطني، كما حدث في الماضي القريب مع أرشيف مبنى الإذاعة والتلفزيون”.
وذكر أن التحجج ببروتوكولات التعاون لتسليم أرشيف أي مؤسسة إعلامية مع كيانات أخرى، كما حدث بين الأهرام والموقع الأميركي، “ينطوي على خطأ فادح، لأن البروتوكولات في هذه الحالة تكون لتبادل النواقص وليس لنقل الأرشيف كاملا، وهذه أصول عمرها أطول من عمر دولة إسرائيل”.
وأشار إلى أن ما حدث “بحاجة إلى عقاب فوري، لأنه يعكس عدم اقتناع مسؤولين كبار عن الإعلام المصري بقيمة الأرشيف الصحافي للمؤسسات العريقة، فقد تكون صورة واحدة تساوي الملايين من الجنيهات، للأسف نحن في مرحلة سيولة إعلامية غير عادية”.
وتفاعل الكثير من الصحافيين في مصر مع الغموض الذي أحاط بالإعلان الإسرائيلي، ونددوا بالطريقة التي جرى بها التنويه، وطالبوا المسؤولين في مؤسسة الأهرام بالرد على ذلك تجنبا لما أحدثه من ضجيج سياسي في مصر وخارجها، حيث أوحى بأن هناك شراكة خفية بين الأهرام والمكتبة الإسرائيلية.
وفي ظل عدم الرد الفوري من جانب الأهرام تزايد اللغط وسط الجماعة الصحافية، وجاءت التخمينات والمعلومات التي جرى بثها على منصات التواصل الاجتماعي متناقضة، حيث أرجع البعض ما حدث إلى فترة سابقة كان فيها عمر سامي رئيسا مؤقتا لمجلس إدارة المؤسسة، وهو الذي وقع عقد بيع الأرشيف مع الموقع الأميركي، بينما أرجع آخرون العقد إلى رئيس مجلس الإدارة الحالي عبدالمحسن سلامة.
وفسحت التكهنات المختلفة المجال للتعبير عن الغضب وسط “غروبات” خاصة بصحافيي الأهرام، خاصة مع البطء في الرد من قبل المسؤولين في الصحيفة الذين كشفت الواقعة عن وجود حالة استنفار كبيرة ضد إسرائيل بين صفوفهم، حيث جاء الحديث محملا بانتقادات للجهة التي تورطت في وصول الأرشيف إلى إسرائيل.
ويقول مراقبون إن هذه الواقعة كشفت بدرجة كبيرة استمرار رفض التطبيع مع إسرائيل على المستوى الإعلامي، وأن الصمت السابق لا يعني قبولا به، فقد بات الرفض من ثوابت الجماعة الصحافية التي يمكن أن تكون قد تعرضت لمشكلات كثيرة على المستوى السياسي، غير أن الموقف من إسرائيل صامد حتى الآن.