واشنطن بحاجة إلى ممارسة ضغوط أكبر على طهران في المفاوضات النووية

أثبتت الأحداث المتلاحقة في المفاوضات الغربية الإيرانية بشأن الملف النووي أن إيران تسوق المبررات لعدم استئناف المحادثات، وتستغل الوقت لتطوير برنامجها النووي، لذلك يجب ممارسة ضغوط أكبر من قبل واشنطن لإعادة المفاوضات إلى مسارها.
نيويورك - حذر المبعوث الأميركي الخاص لشؤون إيران روبرت مالي من أن جهود معاودة الامتثال للاتفاق النووي الإيراني المبرم عام 2015 تمر الآن “بمرحلة حرجة”، قائلا إن المبررات أمام طهران لعدم استئناف المحادثات آخذة في النفاد، بينما ترى أوساط غربية أن واشنطن بحاجة إلى ممارسة ضغوط أكبر على طهران في هذا الملف.
وأضاف مالي للصحافيين في إفادة عبر الهاتف الاثنين أنه في الوقت الذي تشعر فيه واشنطن بقلق متزايد بسبب استمرار طهران في تأجيل عودتها للمحادثات، فإنها تملك أيضا أدوات أخرى لمنع إيران من حيازة سلاح نووي، وستستخدمها إذا لزم الأمر.
وجاءت تصريحات مالي بعد ساعات من تصريحات أخرى لرئيس الوكالة الدولية للطاقة الذرية التابعة للأمم المتحدة رفاييل غروسي حذر فيها من أن “برنامج المراقبة النووية في إيران لم يعد سليما”، إذ رفضت طهران طلبات إصلاح الكاميرات في منشأة نووية رئيسية.
وأوضح غروسي في مقابلة مع شبكة “إن.بي.سي.نيوز” الأميركية أن إيران سمحت للوكالة الدولية للطاقة الذرية بالوصول إلى معظم كاميراتها لخدمتها ببطاريات وبطاقات ذاكرة جديدة، مع استثناء منشأة واحدة في ضواحي طهران تصنع أجزاء من أجهزة الطرد المركزي، وتضررت المنشأة في يونيو الماضي عندما اتهمت إيران إسرائيل باستهداف المنشأة بعمل تخريبي.
ولم يتمكن غروسي من إقامة أي نوع من الاتصال المباشر مع الحكومة الإيرانية بعد انتخاب الرئيس الجديد إبراهيم رئيسي في يونيو الماضي، في وقت تحث القوى العالمية إيران على العودة إلى المفاوضات لاستعادة الاتفاق النووي الذي انسحب منه الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب في عام 2018.
وتريد إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن والشركاء الأوروبيون استعادة الاتفاق النووي مع إيران، لكن بعد ست جولات من المحادثات في فيينا توقفت المفاوضات بعد انتخاب رئيسي رئيسا لإيران.
وخلال هذه الفترة لم تتوقف طهران عن تطوير برنامجها النووي من حيث الارتقاء في تخصيب اليورانيوم إلى مستويات مرتفعة، منها مستوى الـ60 في المئة ومراكمة اليورانيوم المخصب ونشر طاردات مركزية حديثة وحتى إنتاج معدن اليورانيوم.
ووضعت إدارة بايدن استراتيجية من بندين لتقييد برنامج إيران النووي. ويتعلق البند الأول بالعودة إلى “الامتثال المتبادل” للاتفاق النووي لعام 2015، أما الثاني فهو بدء واشنطن مفاوضات جديدة مع طهران بشأن اتفاقية “أقوى وأطول” لتحل محل الاتفاق الأصلي.
لكن الأحداث اللاحقة أثبتت أن مثل هذا التحليل مفرط في التفاؤل، فقد قدمت إيران مطالب مستحيلة في المفاوضات لإحياء الاتفاق النووي، حيث قيل إنها تسعى لتخفيف العقوبات بما يتجاوز تلك المنصوص عليها في خطة العمل للاتفاق، بينما تتردد في الالتزام بتعهداتها وتصريحات غروسي تشير إلى ذلك بوضوح.
ورأت مجلة ”فورين أفيرز“ في تقرير نشرته الإثنين على موقعها الإلكتروني أن إدارة بايدن في حاجة ماسّة لخطة بديلة تعمل على تشديد العقوبات التي ستعاني منها إيران إذا استمرت في رفض المبادرات الدبلوماسية، والتوسع في أنشطتها النووية، بينما تقدم في نفس الوقت عرضا دبلوماسيا لطهران يمكن أن تكون له فرصة أفضل خلال ما تبقى من ولايته الرئاسية، وربما من خلال تلك الخطة سيكون بايدن قادرا على تغيير المعادلة الإيرانية.
وقالت المجلة إنه في الوقت الذي تدرس فيه إدارة بايدن خياراتها، فإنه يتعين عليها الاستفادة من تاريخ طويل من إخفاقات السياسة الأميركية، والنجاحات مع إيران.
ويتمثل الدرس الأساسي المستفاد من التجارب الدبلوماسية السابقة في أن الولايات المتحدة حققت نجاحا أقل عندما اعتمدت على نهج واحد أو أداة سياسية واحدة، وحققت أكبر قدر ممكن من النجاح عندما استخدمت العديد من أدوات السياسة، بالتنسيق مع شركاء أساسيين في العملية.
وتحتاج الولايات المتحدة إلى رسالة أكثر وضوحا، تتمثل في أنها مستعدة للمضي قدما لمرحلة أبعد من العقوبات، وشن هجوم عسكري، بوصفه الخيار الأخير الذي يستهدف منع إيران من امتلاك السلاح النووي.
وأشارت المجلة إلى أن إحجام إدارة بايدن عن القيام بذلك يمكن فهمه، لأنه ليس في مصلحة الجمهوريين أو الديمقراطيين دخول نزاع عسكري آخر في الشرق الأوسط، ومن المحتمل أن يخشى البيت الأبيض إصدار تهديدات يمكن أن تدفع الإدارة الإيرانية الجديدة المتشددة إلى رفض المشاركة الدبلوماسية.
وخلصت إلى أن الانتقال مباشرة إلى التفاوض على اتفاق جديد سيكون بلا شك محفوفا بالمخاطر على المدى القصير، ولكن إذا اهتمت إدارة بايدن بتعزيز الدعم المحلي والدولي لجهودها، فيمكنها تحقيق نتيجة أكثر نجاحا واستمرارا على المدى الطويل.

وتكثف واشنطن من مشاوراتها مع الحلفاء والشركاء. ومن المنتظر أن يتم التشاور بهذا الملف في الاتصالات الجانبية التي ستجرى على هامش قمة المناخ التي تستضيفها مدينة غلاسكو البريطانية في نهاية الشهر الجاري.
ويلتقي المفاوض الإيراني في الملف النووي علي باقري هذا الأسبوع المفاوض الأوروبي إنريكي مورا في بروكسل لمناقشة استئناف المحادثات في فيينا، بحسب ما قال المتحدث باسم الممثل الأعلى للسياسة الخارجية والأمنية للاتحاد الأوروبي بيتر ستانو.
وأضاف ستانو “من المقرّر أن يُعقد لقاء بين الرجلين هذا الأسبوع”، ولكن “لا اجتماع مقرّرا مع جوزيب بوريل” منسّق المفاوضات بشأن الاتفاق النووي المبرم عام 2015 بين إيران والقوى العظمى.
وكتب باقري كني على تويتر “إيران عازمة على المشاركة في المفاوضات التي ستنهي العقوبات غير القانونية والقاسية بطريقة كاملة وفعالة وتطبع العلاقات الاقتصادية والتجارية لإيران وتتيح ضمانة موثوقة لعدم حدوث تراجع بعد ذلك”.
واعتبرت أوساط غربية أن طهران تراهن على أن تهديدات واشنطن باللجوء إلى خيارات أخرى ليس إلا من باب ممارسة الضغوط.
كما تحظى طهران بدعم روسيا في هذا الملف، فقد صرح كبير المفاوضين الروس أن مطالبة إيران بضمان من الحكومة الأميركية بأنها لن تنسحب من الاتفاق التاريخي مرة أخرى هو أمر “منطقي ومبرر”.
وذكرت وكالة “بلومبرغ” للأنباء أن هذا جاء في رد من ميخائيل أوليانوف، سفير روسيا لدى الوكالة الدولية للطاقة الذرية التابعة للأمم المتحدة في فيينا، على تقرير صادر عن معهد كوينسي للأبحاث في واشنطن بأن الرئيس بايدن قد رفض تقديم أي ضمانات لإيران بأن الولايات المتحدة لن تنسحب من الاتفاق مرة أخرى خلال فترة ولايته.
وقال أوليانوف في تغريدة على تويتر الأحد “هذا المطلب الإيراني يبدو منطقيا ومبررا، وهو يتوافق ليس فقط مع الممارسة الدبلوماسية، بل ومع المنطق السليم”.
وقالت إيران مرارا إنها ستعود للمفاوضات لكنها لم تحدد موعدا بعد.