زيادة الرحلات وخفض الكربون معادلة تؤرق صناعة الطيران

يواجه قطاع الملاحة الجوية معضلة صعبة في جهوده الرامية إلى مراعاة البيئة، حيث يخوض المحللون والخبراء نقاشات حول ما إذا بإمكان شركات الطيران المواءمة بين تسيير المزيد من الرحلات وخفض انبعاثات الكربون الناتجة عن أساطيلها، للمساهمة في الجهود الدولية لحماية المناخ.
باريس - يشكل مسح شركات الطيران بصمتها الكربونية، والذي ينسجم مع الخطط العالمية لخفض الانبعاثات الملوثة للبيئة، التحدي الأبرز رغم أنها لا تزال تعاني من الخسائر القاسية، التي تكبدتها بسبب قيود الإغلاق، ومن المحتمل أن تتخطاها بعد سنوات من الآن.
وبالنسبة إلى المدراء التنفيذيين في القطاع وأيضا عمالقة صناعة الطائرات وفي مقدمتهم أيرباص وبوينغ، يمثل هذا الوضع معركة مصيرية من أجل التحوّل إلى صداقة البيئة عاجلا أم آجلا.
وتشير الإحصائيات الدولية الرسمية إلى أن طائرات القطاع نقلت في 2019 قرابة 4.5 مليار راكب، مُصدرة 900 مليون طنّ من ثاني أكسيد الكربون، أي نحو اثنين في المئة من إجمالي الانبعاثات العالمية.
ومن المرتقب أن يتضاعف عدد الركاب بحلول 2050، ما سيؤدي إلى تضاعف كمية الانبعاثات إذا استمرّ الأمر على هذا المنوال.
ولطالما سعى القطاع إلى تعزيز فعاليته، لكن الهواجس البيئية راحت تتزايد بفعل حركات تدعو إلى مقاطعة الطيران مثل فلايغسكام ويعني اسمها “الخزي من ركوب الطائرة”، والتي تأسست في السويد سنة 2018.
وتظهر مؤشرات الاتحاد الدولي للنقل الجوي (إياتا) إلى أن شركات الطيران حسنت فعاليتها في مجال الطاقة، خلال الفترة الفاصلة بين 2009 و2019 بنسبة 21.4 في المئة، لكن ذلك لم يحل دون زيادة انبعاثات القطاع.
وفي مطلع أكتوبر الجاري، التزمت إياتا بـ”تصفير صافي انبعاثات” ثاني أكسيد الكربون بحلول 2050، بينما كانت تنوي في السابق تخفيضها إلى النصف، وقد حذت بذلك حذو الشركات الجوية والمطارات والصناعيين في أوروبا.
وعلى صعيد الدول، يعتزم الاتحاد الأوروبي تخفيض انبعاثاته بواقع 55 في المئة بحلول 2030 قياسا بعام 1990، بما في ذلك في القطاع الجوي.
أما الولايات المتحدة، فهي تنوي خفض انبعاثات قطاع الرحلات التجارية بنسبة 20 في المئة بحلول نهاية هذا العقد مقارنة مع الوضع الراهن.
ويأمل الاتحاد الأوروبي أن يساعد التقدّم التكنولوجي والتطوّر في البنى التحتية على تحقيق نصف المكاسب المرجوّة، معوّلا على مواد جديدة ومحرّكات أقلّ استهلاكا للطاقة وإدارة أفضل لحركة الطيران والطائرات العاملة بالهيدروجين وبالكهرباء.
ولكن إياتا لديها رأى متحفظ بشأن هذا الاتجاه، حيث يعتقد خبراؤها أن هذه التحسينات لن تساهم سوى في 14 في المئة فقط من المجهود العالمي.
وترتكز خطط العمل الرامية إلى “تصفير صافي الانبعاثات” على آليات للتعويض عن الكربون، كالتشجير، ما يثير انتقادات منظمات غير حكومية ترى في هذه التدابير تحريفا للمشكلة.
ويعتبر براين موران المكلّف بالتنمية المستدامة لدى بوينغ أن للوقود المستدام دورا محوريا “من دون شك، فإذا كان من حلّ جذري لخفض انبعاثات قطاع الطيران، فهو يقوم على الوقود المستدام”.

وتعوّل إياتا بدورها على أنواع الوقود هذه لتحقيق ثلثي المجهود، وهي متأتية من زيت القلي والطحالب ومخلّفات الحطب وغيرها من منتجات “الكتلة الحيوية”.
ووسط تأكيد المحللين بأن الوقت قد حان لتسريع وتيرة جعل سوق الطيران مساهما في خفض الاحتباس الحراري، قطعت أيرباص خطوات باتجاه مسح بصمتها الكربونية في التصنيع واستخدام الوقود البيئي لتعزيز جهود التحوّل للنقل الجوي المستدام.
وتنوي المفوّضية الأوروبية إلزام الشركات بتخصيص اثنين في المئة من الوقود المستخدم في الرحلات الجوية لأنواع وقود الطيران المستدام هذه في 2025، و5 في المئة في 2030 وحتّى 63 في المئة في 2050.
وتتوقّع بوينغ وأيرباص أن يصبح في مقدور طائراتهما العمل بالكامل بهذا النوع من الوقود في نهاية هذا العقد.
ويكلّف وقود الطيران المستدام أكثر بأربع مرّات من الكيروسين، والمشكلة الأساسية هي في مدى توفّره. وقد مثّل أقلّ من 0.1 في المئة من الوقود المستخدم في الطيران في 2019 والمقدّر بحوالي 360 مليار ليتر. ولذلك يرى خبراء أنه لا بدّ من إنشاء فرع جديد له لزيادة الكمّيات المتوفّرة وخفض الأسعار.
ويحاول الاتحاد الأوروبي حثّ خطاه عبر فرض ضريبة تدريجية على الكيروسين في الرحلات المسيّرة بين بلدانه، في حين تعرض الولايات المتحدة خصومات ضريبية.
ويرى غييوم فوري الرئيس التنفيذي لأيرباص أن الابتكارات التكنولوجية في مجال الطائرات، لاسيّما الطائرات العاملة بالهيدروجين، ستكون حاضرة “لكن المسألة لا تقتصر على الطائرات، فنحن بحاجة إلى الهيئات الناظمة وإلى قطاع الطاقة”.
لكنّ “الكتلة الحيوية” مورد محدود، إذ تشير التقديرات التي ساقتها جو داردين من الاتحاد الأوروبي للنقل والبيئة الذي يضمّ تحت رايته نحو خمسين منظمة غير حكومية، إلى أن “الوقود الحيوي المطوّر من المخلّفات سيسمح بتغطية نحو 11 في المئة من حاجات الطيران بحلول 2050”.
ويعوّل القطاع من ثمّ على الوقود الصناعي المصنوع من الهيدروجين المتأتي من الطاقة الكهربائية المتجدّدة ومن ثاني أكسيد الكربون المحتبس من الغلاف الجوي.
غير أن تيمور غول المسؤول في الوكالة الدولية للطاقة يعتقد أن إنتاج هذا النوع من الوقود بما يمثّل 10 في المئة من الاستهلاك الحالي لكيروسين الطائرات يوازي إجمالي إنتاج الكهرباء في فرنسا وإسبانيا معا.
ولفتت داردين إلى أن “التكنولوجيات قيد التطوير لتخفيض انبعاثات قطاع الملاحة الجوية ستتطلّب نسبة كبيرة من الطاقة”، مشدّدة على ضرورة “تغيير النموذج السائد” مع “تخفيض الطلب” على الطيران.
وحددت أيرباص بالفعل الهيدروجين الأخضر باعتباره “أحد الحلول الواعدة” كجزء من هدفها لتقديم طائرات عديمة الانبعاثات بحلول عام 2035.
وكانت قد كشفت عن استراتيجية قبل فترة تضم ثلاثة مفاهيم لطائرتها زيرو، التي ستعمل بمزيج من خلايا الوقود العاملة بالهيدروجين ومحركات الاحتراق التي تحرق غاز الهيدروجين.