مطاحن الثري الصغير

كان من بين أهم الأسئلة التي بقيت متداولة في الأسابيع الماضية عن المال الفاسد الذي أدار حملة الانتخابات العراقية. يسأل العراقيون من أين له كل هذا المال الذي يوزعه على شيوخ العشائر والأتباع لشراء الأصوات الانتخابية، لكنهم يسخرون من أنفسهم وهم يجيبون عن سؤالهم. لأن واقع الفساد المهول جعل حال المرء في العراق يسأل نفسه مستغربا ويرد على سؤاله متهكما! وأين ذهبت أموال العراق!
هناك خرافة وزيف في كل الذي يحصل في العراق السياسي، وحتى لو وجدت النيات الطيبة والدافع المخلص داخل الوزارات العراقية، فلن تكون مؤثرة، إلى أن تعجز عن مواجهة ماكنة فساد هائلة تدير البلد.
كنت على تواصل دائم على مدار أسابيع الحملة الانتخابية التي شهدتها البلاد، مع مصادر تمر من أمامها الوقائع المهمة. وعلي أن أعبّر عن امتناني لها على تزويدي بمعلومات يبحث عنها الصحافي مثلي. ومن حسن حظي أن تلك المصادر لا ترغب بإعطاء المعلومات لمصدر إعلامي محلي، لأسباب متعلقة بالسلامة الشخصية ويقينها بعدم قدرة أي مصدر إعلامي داخل العراق على نشرها، كما فعل مثلا الصحافي البارع روبيرت ورث قبل أشهر وهو يخترق بعض مداخل نظام حكم اللصوص البيروقراطي في العراق، في تقرير مثير بصحيفة نيويورك تايمز.
سألت مصدري قبل خمسة أيام من عملية التصويت، عن تقرير تلفزيوني مصور لأحد قادة الأحزاب الإسلامية الذي ترأس الحكومة من قبل، وهو يوزع مسدسات على شيوخ عشائر لحثهم على التصويت لقائمته الانتخابية.
قال محدثي إن هذا الزعيم لم يدفع فلسا واحدا من أموال تلك الرشى الانتخابية! وهناك من عليه تحمل أموال هذه الدعاية بعد أن أغدق عليه من قبل من أموال الدولة العراقية عندما كان يتقلد منصبه.
ومن بين الذي تكفلوا بالمال الفاسد، شاب أمّي لا يستطيع تهجي أكثر من اسمه، ولك أن تتخيل وعيه، ساعده المسؤول الفاسد على الاستيلاء على أكبر خمسة معامل للطحين في العراق، مستثمرا عمله السابق كعامل في واحد من تلك المطاحن!
وقّع معه عقدا، عندما كان مسؤولا حكوميا، “لازال العقد مستمرا مع أن المسؤول الفاسد خارج الحكومة اليوم” أن يزود الدولة بالطحين الذي يوزع في الحصة التموينية. أحد أهم الشروط أن يبقي المطاحن العراقية معطلة ويستورد كل الطحين من إيران. ويزعم أنه نتاج المعامل العراقية المعطلة.
هذا الأمّي اليوم من كبار أثرياء العراق مع أنه لم يصل الخمسين من عمره، وتزداد ثروته من ماكنة الفساد المستمرة في الدوران.
وكان من بين أهم ما فعله هو التكفل بجزء من أموال الدعاية الانتخابية لحزب السياسي الفاسد.
لن تكون قصة الفساد هذه مفاجأة في العراق اليوم، كما فوز قائمة السياسي الفاسد في انتخابات لعبة تبادل الكراسي.