تنقيب إسرائيل عند الحدود البحرية للبنان: تصعيد أم تسريع للمفاوضات؟

انحسار آمال المفاوضات في غياب سيناريو التصعيد العسكري.
الخميس 2021/09/30
أزمة حدود لا أفق لتجاوزها

عاد التوتر بين إسرائيل ولبنان بشأن ترسيم الحدود البحرية الغنية بالنفط والغاز إلى الواجهة مجددا بعد تعثر خمس جولات سابقة من المفاوضات. ويرى مراقبون أن تل أبيب استثمرت انشغال لبنان في مواجهة الأوضاع الاقتصادية الصعبة لجس النبض.

بيروت - تفجر النزاع الحدودي البحري بين لبنان وإسرائيل مجدداً بعد 5 أشهر من توقف مفاوضات غير مباشرة بين الجانبين من أجل إنهائه، ما يثير تساؤلات بشأن إن كان الأمر تصعيدا أم خطوة لتسريع المفاوضات.

وعاد هذا الملف إلى الواجهة بعد إعلان شركة “هاليبرتون” الأميركية الأسبوع الماضي حصولها على ترخيص لبدء التنقيب عن الغاز والنفط في حقل كاريش البحري قبالة ساحل إسرائيل.

إلا أن تلك المنطقة متنازع عليها بين الجانبين اللذين خاضا 5 جولات من المحادثات في الناقورة (جنوب لبنان) منذ أكتوبر 2020 حتى مايو الماضي برعاية الأمم المتحدة ووساطة أميركية، قبل أن تُعلق المفاوضات نتيجة عدم إحراز أي تقدم فيها.

وقوبلت الخطوة الإسرائيلية برفض لبناني لأي مسّ بحقوقه النفطية، حيث طلب رئيس الحكومة نجيب ميقاتي من وزارة الخارجية “إجراء الاتصالات اللازمة” مع الجهات الدولية المعنية لمنع إسرائيل من بدء التنقيب.

وتبلغ مساحة المنطقة المتنازع عليها التي تعد غنية بالنفط والغاز 860 كيلومترا مربعاً بحسب الخرائط المودعة من جانب لبنان وإسرائيل لدى الأمم المتحدة منذ 2011.

لكن لبنان اعتبر لاحقاً أن خارطته (المودعة لدى الأمم المتحدة) استندت إلى تقديرات خاطئة، وأن المساحة المتنازع عليها هي 2290 كيلومترا مربعاً، وهذا ما طرحه وفد البلاد خلال إحدى جلسات المباحثات وقوبل برفض إسرائيلي.

وفي ديسمبر الماضي أعلنت وزارة الخارجية الأميركية أن واشنطن مستعدة للتوسط في المباحثات بين الطرفين وحثهما للتفاوض على أساس المطالبات البحرية الخاصة بهما (الخرائط) التي تم إيداعها سابقاً في الأمم المتحدة.

ويقول الخبير العسكري هشام جابر إن إسرائيل استغلت الأوضاع بلبنان سياسياً واقتصادياً لتبدأ التنقيب في حقل كاريش، مشيرا إلى أنه وفق “الخبراء اللبنانيين فإن حصة لبنان من الغاز في هذا الحقل تبلغ نحو 40 في المئة”.

توفيق شومان: إسرائيل تضغط على لبنان من أجل العودة إلى التفاوض

ويضيف جابر أن خطوة إسرائيل (منح ترخيص التنقيب) تهدف إلى الاستفادة من الغاز من جهة، ودفع الحكومة اللبنانية من جهة أخرى للعودة إلى طاولة المفاوضات غير المباشرة بشأن ترسيم الحدود.

وكانت المفاوضات توقفت عند إصرار وفد بيروت على أن حدود لبنان هي الخط 29 وليس 23 وفقاً لخارطة قدمها بإحدى جلسات المحادثات تدفع باتجاه 1430 كيلومترا مربعاً إضافية للبنان، وهذا ما ترفضه إسرائيل.

ويستبعد مراقبون تصعيدا عسكريا لاسيما مع حزب الله على إثر ذلك، نظراً إلى أن الولايات المتحدة (حليفة إسرائيل) ليست مستعدة خلال عهد رئيسها جو بايدن للتورط في أي حرب جديدة بالمنطقة.

ويلفت هؤلاء إلى أن مصلحة لبنان أيضاً هي بالعودة إلى المحادثات، مرجحين حصول ذلك قريباً، لاسيما أن الحكومة الجديدة تسعى لإرضاء الولايات المتحدة ومعها دول الخليج لحشد دعم إضافي لها.

وكان أمين عام حزب الله حسن نصرالله حذر إسرائيل مرارا من المس بموارد الطاقة في المياه الإقليمية اللبنانية، مهدداً باستهداف محطات النفط البحرية الإسرائيلية، لكنه ربط ذلك باتخاذ موقف رسمي من الدولة اللبنانية.

ويمتلك حزب الله المدعوم من إيران ترسانة كبيرة من الأسلحة والصواريخ، وكان قد خاض على مدى سنوات مواجهات عديدة ضد إسرائيل التي كانت تحتل أجزاء من جنوب لبنان قبيل انسحابها منه عام 2000.

ويستبعد المحلل السياسي توفيق شومان أي تصعيد عسكري على الحدود. ويقول إن “تشكيل الحكومة اللبنانية من شأنه أن يحرك المياه الراكدة أمام طاولة المفاوضات”.

وفي العاشر من سبتمبر الجاري تشكلت حكومة ميقاتي عقب 13 شهرا من التعثر بسبب خلافات سياسية على إثر استقالة حكومة حسان دياب في العاشر من أغسطس 2020، بعد 6 أيام من انفجار ضخم هز مرفأ بيروت.

ويوضح شومان أن من أسباب توقف المفاوضات قبل أشهر كان تعثر تشكيل الحكومة اللبنانية، وتوقف الاتصالات والمساعي بهذا الشأن.

هاشم جابر: تل أبيب استغلت الأوضاع في لبنان لتبدأ التنقيب

وأما اليوم وبعد تشكيل الحكومة ونيلها ثقة البرلمان، يرى شومان أنه ليس عن طريق المصادفة الإعلان من قبل الشركة الأميركية بدء التنقيب لصالح إسرائيل في المنطقة الاقتصادية المتنازع عليها.

وفضلاً عن الحاجة إلى الطاقة، يأمل لبنان مستقبلاً من خلال ثروته النفطية في جذب استثمارات أجنبية، إذ يعاني منذ نحو سنتين من أسوأ أزمة اقتصادية في تاريخه أدت إلى انهيار مالي وفقدان الوقود والأدوية وسلع أساسية أخرى.

ويشير شومان إلى أن الخطوة الإسرائيلية عبر الشركة الأميركية ليست بمعزل عن ضوء أخضر من واشنطن، وقد تكون بمثابة ضغط منها على لبنان من أجل العودة إلى التفاوض.

ويلفت إلى أن موقف واشنطن من هذا الملف يُمكن ربطه بمسألة تسهيلها استجرار الغاز المصري إلى لبنان عبر الأردن وسوريا مؤخراً، وقد يكون الأميركيون يتبعون مع لبنان استراتيجية التصعيد من جهة والحلحلة من جهة أخرى.

ويرى أن مجريات هذا الملف ستتبلور تبعاً لخطوات السلطات اللبنانية سواء من خلال تعديلها لـ”مرسوم الحدود” لدى الأمم المتحدة، أو موقفها من العودة إلى المفاوضات من جهة، وموقف الوسيط الأميركي من جهة أخرى.

وفي حال تم تعديل “المرسوم” تتغير الإحداثيات بالخرائط اللبنانية المودعة لدى الأمم المتحدة، وتزيد مساحة لبنان في البحر 1430 كيلومترا مربعاً إضافية، وتصبح بذلك المساحة المتنازع عليها 2290 كيلومترا مربعاً، أي مطابقة لموقف وفد بيروت إلى المفاوضات.

والتعديل كان قد وافق عليه الوزراء المعنيون في حكومة تصريف الأعمال اللبنانية، إلا أنه لم ينل توقيع رئاسة الجمهورية التي قالت في الثالث عشر من أبريل الماضي إنه يحتاج إلى قرار الحكومة (مجلس الوزراء) مجتمعة، نظراً إلى أهميته والنتائج المترتبة عليه.

ورأى المؤرخ والباحث في قضايا ترسيم الحدود عصام خليفة أن النزاع في الأساس هو من أين ينطلق خط ترسيم الحدود البحرية من البرّ.

وأوضح أن الخط الحدودي البحري يجب أن ينطلق من رأس الناقورة، أي من الحدود المرسومة دولياً، وفق اتفاقية الهدنة الموقعة بين لبنان وإسرائيل عام 1949.

وبحسب خليفة فإن ذلك لا يتحقق إلا من خلال تعديل “المرسوم”، محذراً من أن عدم تعديله سيتيح لإسرائيل الحصول على كميات ضخمة من الغاز الواقعة في مياه لبنان الإقليمية.

وإضافة إلى النزاع الحدودي البحري تشهد الحدود البرية بين الجانبين توترات بين الحين والآخر، فيما لا تزال إسرائيل تحتل جزءًا من الأراضي اللبنانية هي مزارع شبعا وتلال كفر شوبا، وصدر قرار من مجلس الأمن عام 1978 ينص على انسحابها لكنه لم يُنفذ حتى اليوم.

2