تجربة استثنائية

لا تعجب أن ظهرت لك وحشية قاسية من وراء الملامح المتحضّرة، وإذا باغتك الجنون من عقول تحسبها مثالا للحكمة.
الخميس 2021/09/30
لا تعوّل كثيرا على إنسانية الإنسان

الفكرة غريبة والتجربة مثيرة: ماذا يحدث لو أعطت سيدة في الثلاثين من عمرها ست ساعات للآخرين كي يفعلوا بها ما يشاؤون؟ حدثت القصة سنة 1974 في مركز المعارض في نابولي عندما وقفت فنانة الأداء اليوغوسلافية آنذاك، الصربية حاليا، مارينا إبراموفيتش لتقدم عرضها المجنون “صفر إيقاع” أمام طاولة طويلة تكدست عليها قطع إكسسوار مختلفة مع لافتة من التعليمات “هناك 72 عنصرًا على الطاولة يمكنك استخدامها كيفما تشاء. خلال هذا الوقت، أنا أتحمل المسؤولية كاملة. المدة المخصصة للعرض 6 ساعات من الثامنة مساء إلى الثانية فجرا“.

في البداية كان الجمهور أنيقا ولطيفا، قبلوا مارينا وقدموا لها الزهور، لكنهم ذهبوا إلى أبعد من ذلك بالتدريج.

كتب الناقد الفني الأميركي توماس ماكيافيلي الذي كان حاضرا في العرض “بدأ كل شيء ببراءة. أدارها أحدهم من على الكرسي الذي كانت تجلس عليه، سحب آخر يدها، لمسها شخص ما بشكل أكثر حميمية. بحلول الساعة الثالثة من الوقت المخصص، قُطعت جميع ملابسها بالشفرات، وبحلول الرابعة وصلت الشفرات إلى جلدها. شخص ما قطع حلقها وشرب الدم. تم استهدافها بممارسات جنسية أخرى”.

وأضاف “لقد شاركت في العملية إلى درجة أنها لا تمانع إذا أراد الجمهور اغتصابها أو قتلها. في مواجهة افتقارها للإرادة، كان هناك أشخاص قد دافعوا عنها. عندما وضع أحد الرجال مسدسا محشوا كان من بين الإكسسوارات في جسد مارينا، ووضع إصبعه على الزناد، اندلع قتال بين المتفرجين“.

تتذكر إبراموفيتش “في البداية أراد الجمهور حقًا اللعب معي. ثم أصبح أكثر عدوانية، كانت ست ساعات من الرعب الحقيقي. قاموا بقص شعري، وغرزوا أشواك الورد في جسدي، وقطعوا جلد رقبتي، ثم لصقوا الجرح بضمادة”.

وتتابع “بعد ست ساعات من العرض، والدموع في عيني، تحركت عارية نحو الجمهور، وعندئذ خرجوا من الغرفة، أدركوا أنني خرجت إلى الحياة، توقفت عن تقبل لعبهم وبدأت السيطرة على جسدي. أتذكر أنني عندما عدت إلى الفندق في ذلك المساء ونظرت إلى نفسي في المرآة، وجدتني مجرد خصلة من الشعر الرمادي“.

وتضيف إبراموفيتش “أردت أن أظهر شيئًا واحدا: إنه لأمر مدهش مدى سرعة عودة الشخص إلى حالة الكهوف البرية إذا سُمح له بذلك. تجربتي تشير إلى أنك إذا تركت القرار للجمهور، فيمكن أن تُقتل“.

لا تعجب أن ظهرت لك وحشية قاسية من وراء الملامح المتحضّرة، وإذا باغتك الجنون من عقول تحسبها مثالا للحكمة. ولا تستغرب من عودة الإنسان الذي تظنه عنوانا للتقدم إلى بدائيته الأولى، فكل المسائل نسبية، وهي محكومة بإطار اللحظة والحالة والدافع.

وإذا استسلمت لضعفك، فعليك أن تتقبل كل ما يمكن أن يواجهك، لا تعوّل كثيرا على إنسانية الإنسان لأنها بدورها تحتاج إلى قوة الردع وسلطة القانون لتحمي نفسها من توحش وغرائزية الآخر الذي يتخفى وراء إنسانية زائفة.

24