العراقية نوار شاكر حمد تطوّع المعادلات الكيميائية في لوحاتها التجريدية

لم تكتف الفنانة نوار شاكر حمد بالجين الوراثي الذي استلمته من والدها التشكيلي العراقي الشهير شاكر حمد، بل عمدت إلى تطوير أدواتها الفنية حدّ السعي لخصوصيتها الملوّنة، وهي التي تخصّصت في الوقت ذاته في علم الكيمياء كأستاذة لها حضورها في جامعة البصرة، فجمعت بين صرامة المعادلات الكيميائية وجموح الخيال التشكيلي المتفرّد.
بغداد - تحاول الفنانة التشكيلية العراقية نوار شاكر حمد الاستفادة من المساحة الواسعة من الحرية التي تضفيها مدارس الفن الحديث مثل الانطباعية والتجريدية من حيث تنوّع الألوان والهيئات والأساليب التقنية، بعيدا عن الالتزام الذي تفرضه المدرسة الواقعية.
وتقول الفنانة “إن الرسم وترجمة الأفكار والخيالات طاقة إنسانية لا تنضب باستمرار الوجود البشري”، مشيرة إلى أنها نشأت في بيئة أحاطتها بالفن وأساليبه ومدارسه، فكان ذلك البذرة الأولى تجاه انطلاقها نحو الشغف المستديم مع الفن التشكيلي.
وتضيف أن والدها الفنان التشكيلي شاكر حمد مكّنها من استكشاف الكثير من تقنيات الرسم، ومعاينة الاختلافات بين المدارس والأساليب، والتعرّف على تاريخ الفن وتحوّلاته. ولهذا اتجهت في بداياتها إلى تجسيد البيئة والمشاهد البصرية والمناظر التي تعكس طبيعة العراق الجنوبية كالبساتين والنخيل والأهوار، وتعدّدت المواضيع والثيمات التي تناولتها، ما بين ريف البصرة وأبوالخصيب إلى الشناشيل والبيوت العريقة التي شكّلت جزءا مهما وغنيا من إرث العراق وتاريخه.

نوار شاكر حمد: الرسم يعكس طاقة إنسانية لا تنضب باستمرار الوجود البشري
وتوضّح الفنانة أن المدرسة الواقعية كانت لها الكفة الغالبة في أعمالها الأولى، وبمرور الوقت أصبحت تتّجه لتحرير ريشتها من قيود الأساليب المتبعة في الرسم الواقعي، مندفعة نحو المساحة الواسعة من الحرية التي تضفيها مدارس الفن الحديث مثل الانطباعية والتجريدية.
وتُشير إلى أن طقوس الرسم لديها تبدأ من الإلهام والخيالات والرؤى والتشكيلات اللونية والإيحاءات التي تتردّد بشدة على مُخيّلتها ويتلبّس فكرها لفترات قصيرة أو طويلة، وتصنَّف على أنها من خارج الواقع، لكنها تطرق ذهنها وبشكل مُلحّ طلبا للخروج من دهاليز اللاوعي، بعضها يتجذّر في الذهن وبعضها في حاجة إلى تسجيل سريع في دفتر أو لعمل كولاج كتصميم أولي للوحة، ترفق به ملاحظات عن الحجم الذي ترغب في تنفيذه والألوان والمواد التي تنوي استخدامها ونوعها.
وتضيف قائلة “قد تتولّد البذرة الأولى أو الصورة الإيحائية للوحة أثناء وجودي في مواقف مختلفة خلال اليوم الواحد، كأن تراودني أثناء حلم أو في حالة أشبه باليقظة أو كأن تظهر لي أثناء طريقي للمنزل عائدة من العمل أو لدى جلوسي أمام النافذة وأنا أحدّق في سماء ربيعية تتخلّلها غيوم تتشكّل في هيئة مُجسّم أو شمس غاربة تترك خلفها خطوطا سماوية ملوّنة وأفقا ساحرا”.
وتواصل “تبدأ مرحلة تجهيز اللوحة بالاستناد إلى ملاحظاتي وتسجيلاتي السابقة، ويتخلّل مرحلة الإنجاز استماع للموسيقى والألحان المتفاوتة ما بين المقطوعات الكلاسيكية الهادئة إلى الأغنيات ذات اللحن الطربي التحفيزي التي تشكّل قوة إيجابية تجدّد الأفكار وتنشّط المُخيلة”.
وحول مدى تأثير انشغالاتها المهنية كمدّرسة لعلم الكيمياء في جامعة البصرة على ولعها بالفرشاة، تقول “أبدا، على الرغم من كون مهنة التدريس وبالأخص في الجامعة أمرا ليس بالهيّن ويتطلّب الكثير من الوقت والجهد، فالأمر لا يقتصر على مهنة التدريس فحسب إنما يتعدّاه نحو القراءات والاطلاع الضروري لتطوير الخبرة وفهم الحقائق العلمية، وبالتالي توسيع الأفق المعرفي للوصول إلى قدرة عالية على الانجاز العملي. ولكن الشغف بالألوان والتشكيلات والصور الإيحائية والخيالات المباغتة شكّل جزءا كبيرا من ذاتي وولعي بتصور الهواجس والانفعالات الداخلية على قماش الرسم لا يغيّره انشغالي بتطوير خبرتي في مجال العمل المهني”.
وتضيف “يمكنني القول إن الوقت المخصّص للعمل والمهنة غالبا ما يكون على حساب الزمن الخاص بتكوين وإنشاء اللوحات الفنية، والتي قد يكون بعضها ناتجا من تأثّر لاشعوري بمجال تخصّصي وحياتي العملية”.
وعن استفادتها من تجربة والدها، شاكر حمد، ومدى تأثيرها في تجربتها الفنية تقول “نشأتي في منزل يعنى بالفن وبالأخص الرسم كان عاملا رئيسيا في ظهور قدرتي على الرسم وازدياد ولعي وشغفي بكل ما يتعلق بالرسم والفن”.
وتسترسل “تجربة الفنان/الوالد ومسيرته الطويلة وكل ما تحمله من ثراء سواء في الفن التشكيلي أو في الأدب والمعرفة والخبرة المتأتية من تنوّع التجارب، فتحت أمامي العديد من الطرق نحو المعرفة والاطلاع على كل ما يرتبط بالغنى الأدبي والمعرفي، فوجدت أمامي موسوعة غنية استقيت منها الكثير فيما يتعلق بالأدب نثرا وشعرا والفن بتنوّعه وغناه”.
وتعترف الفنانة الشابة “كان أبي معلّمي الذي طالما كنت أراقبه وهو يرسم وأتابع كيفية استخدامه للفرشاة وسكين الرسم ومزجه للألوان والمواد التي يستخدمها لإنشاء لوحاته، ففتح عينيّ نحو تقنيات الرسم والتكوين التشكيلي ولم يقتصر الأمر عند هذا الحد فحسب، بل تعدّاه إلى كيفيه تنشيط الأفكار وإثارة عاصفة من الخيال الممزوج بالتموجات اللونية والتشكيلات والأجسام الصورية للخروج عن الإطار التقليدي للرسم ليس بهدف مواكبة الحداثة فقط، إنما لفسح المجال أمام الفكرة المكبوتة والرؤيا المنزوية في متاهات العقل للظهور نحو العلن بهيئة عصرية أكثر”.
وحول معارضها الفنية تقول حمد “مساهماتي الفنية جاءت أغلبها ضمن معارض جماعية تضمّن بعضها معارض فنية خاصة بالأعمال التي تلتزم الأسلوب الواقعي من لوحات زيتية وأعمال نحتية، على سبيل المثال معرض ‘الإنسان والواقع’ الذي تضمنّت مشاركتي فيه لوحتين إحداهما تعكس مشهدا داخليا لبيت من تلك البيوت المصنوعة من القصب والتي يقطنها سكان الأهوار، والأخرى تعكس منظرا ريفيا لأحد بساتين أبي الخصيب. أما غالبية مشاركاتي فتضمّنت لوحات اعتمدت الأسلوب التجريدي بما فيها مشاركاتي ضمن معارض الفن التشكيلي المقامة على هامش مهرجان المربد الشعري ولعدة سنوات”.