القصص الإنسانية في الإعلام المصري ترمم علاقته بالجمهور

تسليط الضوء على حكايا البشر إحدى أدوات مجاراة مواقع التواصل الاجتماعي.
السبت 2021/09/25
السبق الصحافي لم يعد مهما حاليا

هناك اتجاه بدأ يتبلور تدريجيا في الإعلام المصري يتمثل في تسليط الضوء على المشكلات التي يجابهها الناس في مناطق متفرقة لعرضها أمام الجمهور، وأدى التجاوب معها من قبل العديد من الجهات الحكومية إلى منحها زخما رسميا وشعبيا في عدد من وسائل الإعلام التي تبحث عن دور نشط لها.

القاهرة – بدأت القصص الصحافية الإنسانية تنتشر وتتصدر اهتمامات عدد كبير من الصحف والمواقع الإخبارية وبرامج “التوك شو” المصرية.

ويشكل هذا المنحى أحد العوامل الرئيسية التي يتم التفكير فيها لترميم علاقة وسائل الإعلام بالجمهور التي تعرضت لعزوف قطاعات كبيرة من المشاهدين والقراء، بعدما فقدت بريقها السياسي وتحولت إلى أداة دعاية للحكومة وإنجازاتها دون توافر حد أدنى من الانتقادات التي تضفي حيوية على المادة الإعلامية المقدمة.

وخصصت صحف ومواقع إلكترونية أبوابا لعرض مشكلات المواطنين بطرق مختلفة من خلال ما يسمى بـ”بريد القراء” الذي كان إحدى أدوات التواصل بين الصحف والجمهور في السابق، وسلطت أبواب “صحافة المواطن” في بوابة أخبار اليوم (حكومية) و”حياة كريمة” في بوابة الوطن (خاصة) الضوء على أوجاع المواطنين عبر نقل قصص مصورة ومكتوبة حملت استغاثات عديدة لتحسين أوضاع هؤلاء المواطنين.

وأصبح عرض المشكلات الإنسانية فقرة رئيسية في غالبية البرامج اليومية على القنوات والفضائيات المحلية التي اهتمت بنماذج تبعث رسائل تحث على تحدي الصعاب والتعامل مع الأوضاع القاسية المحيطة بها، وتوسعت برامج “التوك شو” في دائرة اهتماماتها بالمواطنين وطافت محافظات وأقاليم عديدة لإبراز المشكلات الحياتية وتسليط الضوء على توجه الحكومة إلى تلك المناطق بالمبادرات التي دشنتها.

سهير عثمان: الإعلام يعكس توجهات الحكومة تجاه تحسين أوضاع الناس

ولعل ما يجعل القصص الإنسانية الصحافية تأخذ أبعاداً أكثر أهمية أن هناك تجاوباً معها من جهات حكومية، وتتسق مع توجهات الدولة التي تولي الملف الاجتماعي أهمية بطريقة تتناسب مع مفهومها لحقوق الإنسان الذي لا ينحصر في قضية الحريات، ولذلك يمثل اهتمام الإعلام بعدا معززا لها.

وأجرى الرئيس عبدالفتاح السيسي مداخلة هاتفية مؤخراً مع برنامج “التاسعة” على القناة الأولى الرسمية استجاب فيها لمناشدة سيدة تعمل في مهنة الحدادة بحاجة إلى مسكن لها وأسرتها ووعد بتوفير كافة احتياجاتها برعاية من مؤسسة الرئاسة.

وقبلها بأيام أبدى السيسي إعجابه بالنماذج الإنسانية التي يعرضها الإعلامي شريف عامر في برنامجه “يحدث في مصر” على فضائية “إم بي سي – مصر”، وشدد على أهمية أن يكون النقاش حول هذه النماذج لتسليط الضوء على الظروف التي أدت بها إلى الواقع الذي تعيش فيه من خلال الإعلام.

ويعرّف معجم “كولينز” القصة الإنسانية بأنها “قصة مكتوبة أو مصورة عن أفراد ومشاعرهم”، كما يعرفها “أوكسفورد” بأنها “توجه في الإعلام يثير اهتمام القراء أو المشاهدين فينقل تجارب ومشاعر أفراد، ويخلق ارتباطا عاطفيًّا مع المتلقي”.

وبحسب حديث مع صحافي يعمل مسؤولا عن إدارة أقسام الفيديو في صحيفة حكومية، فإن القصص الإنسانية تحظى بنسب مشاهدات مرتفعة حال جرى تصويرها مقارنة بالمواد المكتوبة، ما يجعل هناك اهتماما في تلك الفترة بتدريب المراسلين في المحافظات المختلفة على كيفية استخدام الكاميرا والموبايل في توثيق هذه الحالات، ويعد ذلك أحد أبرز عوامل التطوير التي تقوم عليها المواقع الإلكترونية الحكومية في الوقت الحالي لجذب القراء.

وأضاف الصحافي الذي رفض ذكر اسمه، لـ”العرب”، “هناك توجه نحو التعامل مع الأحداث اليومية من واقع إنساني ولم يعد السبق الصحافي يشكل أهمية للمواقع الإلكترونية المحلية، فالمهم أن تكون هناك قصص جاذبة للقراء أولاً وتستطيع أن تقنع الجهات الحكومية بضرورة التجاوب معها، وهو ما يشكل نجاحا للموقع”.

وتحمل القصص الإنسانية المعروضة في وسائل الإعلام المصرية أبعادا عدة، إذ أنها إحدى أدوات مجاراة مواقع التواصل الاجتماعي التي أضحت تشكل المنبر الأول لعرض المشكلات الحياتية للمواطنين بعيداً عن قيود الإعلام التقليدي، وهي محاولة للتأكيد على الانفتاح والتقرب من المواطنين وملامسة مشكلاتهم بعد أن تجاوزت مصر فترة العمليات الإرهابية المتتالية وبدا أن ثمة توجهاً نحو المواطنين أنفسهم.

Thumbnail

وتجد وسائل الإعلام في الغوص داخل تفاصيل القضايا الاجتماعية بديلاً مهماً عن التطرق إلى مشكلات سياسية قد لا يتوافر هامش الحرية المطلوب لمناقشتها، كما أنها تستجيب لاهتمامات الجمهور الذي يرى أن همه الأول تحسين أوضاعه المعيشية، ما يرسخ قناعات العزوف عن ممارسة أي عمل سياسي في الفترة الراهنة، وهو أمر تلتقي فيه الحكومة والكثير من المواطنين.

وعبرت تصريحات رئيس لجنة الاستغاثات الطبية بمجلس الوزراء المصري عن هذا التوجه، حيث أكدت الاستجابة لـ1600 حالة إنسانية وطبية عرضتها وسائل الإعلام المختلفة في الربع الأول من العام الجاري، وكان ذلك محل حوار على مستوى الحكومة التي تناقش بشكل دوري مدى التجاوب مع حالات بحاجة إلى رعاية عاجلة.

وقالت أستاذة الإعلام بجامعة القاهرة سهير عثمان لـ”العرب” إن “الإعلام المصري يعكس توجهات الحكومة تجاه تحسين أوضاع القرى والنجوع والمناطق العشوائية من خلال مبادرة ‘حياة كريمة’، وغيرها من المبادرات التي تستهدف الوصول إلى أكبر عدد من الناس، ووسائل الإعلام التقليدية التي تخضع لتبعية جهات حكومية تنفذ هذا التوجه”.

هناك مشكلات يصعب التطرق إليها إعلاميا باعتبار أنها تتعارض مثلاً مع التوجه العام للحكومة أو تتعارض مع رؤى بعض رجال الأعمال الذين مازالوا يهيمنون على عدد من الفضائيات والصحف

وأوضحت أن الحكومة المصرية تسعى لتحقيق إنجازات على مستوى رؤية التنمية المستدامة 2030، وبحاجة إلى جهود إعلامية تمهد لها الطريق نحو تحقيق إصلاحات اجتماعية، وستكون القصص المعروضة حاليًا بحاجة إلى اهتمام أكبر من جانب وسائل الإعلام التي عليها التوسع في تدشين أقسام خاصة بالتواصل مع هذه الحالات وعرض مشكلاتها.

وذكرت لـ”العرب” أن “ما يقوم به الإعلام في مصر حاليا تهتم به وسائل إعلام عالمية برعت في تقديم فنون الصحافة الإنسانية بأشكال متباينة، والصحف والمواقع والقنوات التلفزيونية عليها أن تطور آليات عرض هذه الحالات كي لا تكون متهمة باختراق الخصوصية أو لا تسبب ضرراً نفسيًا لتلك الحالات أو ذويها بعد فترة لأنها تكون بمثابة وثيقة تظل حاضرة مدى الحياة، وهو ما يجب أن يُترجم من خلال عدم الاهتمام بنشر صور الحالات أو عرض اسمها كاملا”.

هناك مشكلة في القصص الإنسانية التي تعرضها الصحف والمواقع وهي أنها تحاول تضخيم بعضها بما يخدم مصالحها في انتشار القصة بهدف تحقيق نسب متابعة عالية أو لضمان وجود ردود أفعال عليها دون مراعاة قيم وأخلاقيات العمل الإعلامي، وفي تلك الحالة فإن خصوصيات البعض تصبح منتهكة بشكل كبير، وقد لا تخلو من المبالغة.

وبالقدر ذاته هناك مشكلات يصعب التطرق إليها إعلاميا باعتبار أنها تتعارض مثلاً مع التوجه العام للحكومة أو تتعارض مع رؤى بعض رجال الأعمال الذين مازالوا يهيمنون على عدد من الفضائيات والصحف، وسواء تعلق الأمر بالحالة الأولى أو بالثانية فإنه لا يمكن توفر معايير نشر القصة الإنسانية بالصورة الإعلامية السلمية.

18