التفجيرات الانتحارية تختبر قدرة طالبان على الإمساك بالملف الأمني

الضغوط على طالبان تبدأ في التوسع ما يساعد العالم على اكتشاف حقيقة أفكارها وخططها، فهل ستكون قادرة على أن تكون جزءا من الحرب على الإرهاب، أم أن الأمر لا يتجاوز مجرد تصريحات دعائية لسكب ثقة الأميركيين؟ وهل فعلا تغيرت الحركة نحو “الاعتدال” أم أن ذلك مجرد غطاء لأفكارها المتشددة؟
كابول - قُتل شخصان على الأقل وأصيب 19 آخرون السبت في ثلاثة تفجيرات في مدينة جلال أباد كبرى مدن شرق أفغانستان، في موقف يعتبر بمثابة تحد لحركة طالبان ومدى قدرتها على الإمساك بالملف الأمني في البلاد وجدية تعهدها للدول الغربية بمواجهة الإرهاب. كما أنه يمثل اختبارا للوسيط الرئيسي قطر التي تسعى لإظهار طالبان في صورة القوة العسكرية والمجتمعية القادرة على قيادة أفغانستان وضمان مصالح الجميع، وخاصة أوروبا والولايات المتحدة.
يأتي هذا في وقت يظهر فيه سلوك طالبان على الأرض، وخاصة استهداف النساء، أن الحركة لم تتطور وأن اعتدالها السياسي ليس سوى مناورة للحصول على الاعتراف والمساعدات الدولية.
ووقعت ثلاثة انفجارات في جلال أباد كما صرح مسؤول في طالبان. وأوضح المسؤول أن الهجوم الأول الذي استهدف سيارة لطالبان كانت تقوم بدورية في المدينة، أسفر عن “مقتل شخصين على الأقل وإصابة 20 آخرين”.
وأفاد مسؤول من دائرة الصحة في ننغرهار، وعاصمتها جلال أباد، عن مقتل ثلاثة أشخاص وجرح 18 آخرين في التفجيرات.
وتعتبر جلال أباد أبرز معقل لجهاديي تنظيم الدولة الإسلامية في أفغانستان، خصوم طالبان الذين تبنوا الهجوم الدموي الذي أودى بحياة أكثر من 100 شخص في مطار كابول في السادس والعشرين من أغسطس الماضي.
السؤال الأكثر إلحاحا هل إن طالبان مستعدة فعلا لمحاربة من تلتقي معهم دينيا ومذهبيا ويحملون نفس الأفكار المتشددة
وعادت حركة طالبان إلى السلطة منتصف أغسطس بعد انسحاب القوات الأميركية وانهيار الحكومة التي دعمتها. وتعهدت بإرساء السلام والأمن، معتبرة أن نهاية الوجود العسكري الغربي ستجعل من الممكن إنهاء العنف الذي تشهده البلاد منذ عقود.
وحتى وقوع هذه الهجمات، كانت الحياة بدأت تستأنف مسارها الطبيعي، بعيدا عن المشاهد الفوضوية لعمليات الإجلاء في أواخر أغسطس في مطار كابول.
واستؤنفت أولى الرحلات الجوية التجارية الدولية هذا الأسبوع، خصوصا مع باكستان وإيران.
ويقول مراقبون إن طالبان التي رفعت شعار محاربة داعش – خراسان لإظهار جديتها في الحرب على الإرهاب تجد الآن نفسها في وضع صعب، فهل تقدر فعلا على هزيمة المتطرفين الذي سحقتهم في السابق حين كانت تقاتل الحكومة المعترف بها دوليا، أم أنها يمكن أن تتركهم كورقة تقايض بها الأميركيين؟
وأعلن حكام أفغانستان الجدد أنهم لن يتسامحوا مع مواصلة تنظيم الدولة الاسلامية هجماته. ويقول الملا ندا محمد الذي أصبح حاكم ولاية ننغرهار الاستراتيجية “لن يكون لهم ملاذ معنا، نحن نلاحق مقاتليهم المختبئين”. وأضاف “لقد حاربناهم ولم يعودوا كثيرين، ومنذ وصولنا إلى السلطة (في جلال آباد)، أوقفنا 70 إلى 80 من مقاتليهم”.
ويقول المراقبون إن الوضع مختلف، فالحركة حين قاتلت خصومها كانت المعارك محدودة في الزمان والمكان، ولم تكن حربا ذات أولوية، لكن الآن الوضع مختلف، فطالبان سيتحول مقاتلوها إلى قوات نظامية وسيكونون مطالبين بخوض حرب في مناطق مختلفة في نفس الوقت، وهو ما سيقود إلى استنزافهم.
لكن السؤال الأكثر إلحاحا هل إن طالبان مستعدة فعلا لمحاربة من تلتقي معهم دينيا ومذهبيا ويحملون نفس الأفكار المتشددة، أم أن الحديث عن مواجهة الإرهاب لا تعدو أن تكون إلا مناورة لربح الوقت واختراق الموقف الدولي الهش والذي تسيطر عليه رغبة في التسليم بالأمر الواقع.
عودة ذكورية إلى المدارس
بعد عشرة أيام من إعادة فتح الجامعات الخاصة في البلاد، سُمح فقط للفتيان بالعودة إلى المدارس الإعدادية والثانوية في أفغانستان السبت في إجراء أعربت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسف) عن أسفها له وحضت نظام طالبان على عدم ترك الفتيات دون تعليم.
وأكدت اليونيسف في بيان “ضرورة أن تتمكن جميع الفتيات والنساء، بمن فيهن الأكبر سنا، من استئناف تعليمهن دون مزيد من التأخير، وأن تتمكن المعلمات أيضا من مواصلة التدريس”، مشيرة إلى “التقدم الكبير الذي تحقق في البلاد على مدى العقدين الماضيين”.
في عشرين عاما، ازداد عدد المدارس ثلاث مرات وارتفع عدد الأطفال الملتحقين بالمدارس من مليون إلى 9.5 ملايين، وفقا لليونيسف.
ويخشى أن يؤجج هذا الغموض قلق جزء من الأفغان والمجتمع الدولي خشية تكرار ما حدث عندما تولت الحركة المتزمتة السلطة بين عامي 1996 و2001.
قوى إقليمية تدعو الولايات المتحدة للحوار مع طالبان وتقديم التمويل والمساعدات إلى أفغانستان، وحثوا الحركة في الوقت نفسه على تسليم السلطة إلى حكومة أكثر شمولا
واتبعت الحركة الإسلامية حينها سياسة قاسية بشكل خاص تجاه النساء اللواتي لم يُسمح لهن بالعمل أو الدراسة أو ممارسة الرياضة أو الخروج بمفردهن إلى الشارع.
وبعد رحيل طالبان إثر تدخل تحالف دولي بقيادة الولايات المتحدة، تمكنت النساء تدريجا من استعادة حقوقهن الأساسية وشغل الوظائف التي كانت محظورة عليهن مثل منصب قاضية أو برلمانية أو قائدة طائرة.
في المدرسة الثانوية الفرنسية الأفغانية “استقلال كابول”، شكّل استبعاد الفتيات والمدّرسات تحديا السبت.
وقال المدرّس غول محمد فروتان لوكالة الصحافة الفرنسية “المدرسة يجب أن تكون للجميع، الفتيان والفتيات. البلد الذي لا يسمح بذلك عليه أن يتحمّل تداعياته. ستحتاج البلاد إلى مدرّسين ومهندسين وأطباء (…) لذلك ستكون هناك حاجة إلى فتيات في المدرسة”.
ووفقا لمسؤول في المدرسة لم يرغب في كشف هويته، ستواجه المدارس نقصا في الأساتذة. وأوضح أن “معظم المدرسين نساء ولا يسمح لهن بالمجيء في ظل النظام الجديد، هذا سيخلق لنا مشكلات”.
كذلك، دعت منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (يونسكو) السبت إلى إعادة فتح المدارس للفتيات في أفغانستان، محذرة من “عواقب” على نصف سكان البلاد.
وقالت منظمة اليونسكو في بيان “إذا استمر هذا الحظر (للفتيات)، سيشكل ذلك انتهاكا جسيما للحق الأساسي في التعليم للفتيات والنساء”.
النهي عن المنكر
منذ عودتها إلى السلطة، حاولت طالبان طمأنة المجتمع الدولي من خلال إعلانها أنها ستضمن احترام حقوق المرأة، من بين أمور أخرى.
لكن هذه المزاعم ضعفت في الأسابيع الأخيرة بسبب العديد من القرارات التي اتخذتها الحكومة الأفغانية الجديدة.
ففي حين سُمح للنساء بالدراسة في الجامعة فرض عليهن ارتداء العباءة والحجاب على أن يتم الفصل قدر الإمكان بين الجنسين في قاعات المحاضرات.
ولم تُعين أيّ امرأة في الحكومة المؤقتة التي شُكلت في أوائل سبتمبر.
أما وزارة شؤون المرأة السابقة فيبدو أنه تمت الاستعاضة عنها لتحل محلها وزارة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر التي كانت مرهوبة الجانب بسبب تشددها.
من جهته، أعلن رئيس الوزراء الباكستاني عمران خان أنه بدأ محادثات مع طالبان، وهي مقربة من إسلام أباد، من أجل أن تشمل حكومتها الجديدة ممثلين لمجتمعات إثنية أخرى (طاجيكية وهزارة وأوزبكية خصوصا).
وتعرضت طالبان لانتقادات بعد إعلان حكومتها الانتقالية لافتقارها للتنوع إذ شكّلت الحكومة بشكل شبه حصري من مسؤولين في نظامها السابق والبشتون، المجموعة الإثنية التي تنتمي إليها الحركة.
رسائل قمة شونغهاي
دعت روسيا والصين وباكستان وقوى إقليمية أخرى الولايات المتحدة الجمعة للحوار مع طالبان وتقديم التمويل والمساعدات إلى أفغانستان، وحثوا الحركة في الوقت نفسه على تسليم السلطة إلى حكومة أكثر شمولا. لكن هل الحركة مستعدة فعلا للتفاعل مع مطالب هذه القمة؟ وهل تقدر على إشراك الأقليات الأخرى في الحكم؟
وهيمن مصير أفغانستان على قمة منظمة شنغهاي للتعاون، التي تأسست قبل 20 عاما لتكون منتدى للحوار بين روسيا والصين ودول الاتحاد السوفييتي السابق في وسط آسيا، لكنها تطورت في وقت لاحق إلى تكتل له طموحات إقليمية أكبر. وانضمت الهند وباكستان إلى المنظمة في 2017 وانضمت إيران أول أمس الجمعة.
وقال زعماء المنظمة إن مسؤولية الغرب بوجه عام والولايات المتحدة على وجه الخصوص هي المساعدة في منع كارثة إنسانية في أفغانستان حيث كانت مساعدات الغرب تدعم الحكومة التي أطاحت بها طالبان في الشهر الماضي.
ويعتقد مراقبون أن طالبان تلعب على واجهات متعددة لكسب الاعتراف، وأنها تضع ساقا مع الغربيين الذين توهمهم قطر بأنها ممسكة بالحركة ومتحكمة بقرارها، وساقا أخرى مع الصين وتغازل الروس وتوحي لدول الجوار بالرغبة في التعاون.