تعقيدات أسرية تمنع تطبيق شعار "2 كفاية" في مصر

الحكومة المصرية تضع أهدافا عدة لضبط النمو السكاني من خلال برامج تنظيم الأسرة المعتمدة بهدف خفض معدلات الإنجاب بصورة تدريجية إلى نحو 2.1 طفل لكل سيدة.
السبت 2021/09/18
الأسر المصرية غير مقتنعة بتحديد النسل

تصطدم جهود السلطات المصرية لفرض قانون لتحديد النسل، في كلّ مرة يتمّ الإعلان عنها، برفض برلماني وتجاهل شعبي يجعلان من الضروري إعادة التفكير في طرق مبتكرة لفهم الأسباب التي تدفع العائلات إلى إنجاب المزيد من الأطفال، رغم الظروف الصعبة للكثير منها، وهو ما ينذر بتفاقم مشكلة الإسكان وما يتبعها من تداعيات اقتصادية واجتماعية في السنوات القادمة.

القاهرة- تراجع زخم شعار “2 كفاية” الذي رفعته الحكومة المصرية واستهدف التعامل مع مشكلة الزيادة السكانية ولم تجر ترجمته في صورة قرارات حكومية وتشريعات تسهم في تنفيذه، ما حوله إلى عبارات تتردد بشكل مستمر دون إقناع المواطنين المستهدفين به، وهو ما انعكس على زيادة معدلات الكثافة السكانية.

وأعلن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء (حكومي) مطلع الشهر الجاري، وصول عدد سكان مصر بالداخل إلى 102 مليون و250 ألفا و421 نسمة، بزيادة قدرها ربع مليون نسمة خلال آخر خمسين يوما، ما يهدد بزيادة قدرها 69 مليون نسمة بحلول العام 2050.

وترددت الحكومة كثيرا في ترجمة شعارها “2 كفاية”، أي طفلان لكل أسرة، إلى قوانين وأعلنت في مرات عديدة استعدادها لإطلاق خطة شاملة تتضمن تقديم محفزات وعقوبات للاكتفاء بطفلين فقط، لكن الفكرة لم تر النور ورفض البرلمان مقترحا تقدم به عدد من النواب المؤيدين للحكومة بشأن رفع الدعم عن الطفل الثالث.

وأغلق الرئيس عبدالفتاح السيسي الجدل حول تنفيذ هذا المقترح الأسبوع الماضي، وأوضح خلال مشاركته في إطلاق الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان، أن “حل المشكلة السكانية لن يكون بقانون ولو كان الحل في التشريع لأصدرنا القانون من سنوات”، في معرض رده على سؤال بشأن رفع الدعم عن الطفل الثالث.

وتخشى دوائر مصرية من تبعات إصدار مثل هذا القانون الذي لا تتوافر له الظروف الاقتصادية والاجتماعية والدينية التي تسهم في نجاحه، ومن ثم فالحكومة لن تحقق الهدف من خطوتها التي ربما تثير الرأي العام، وتلقى اعتراضات من مؤسسات دينية رسمية تتمسك بخطاب يرفض تحديد النسل بهذه الطريقة، كما أن إصداره يعني زيادة معدلات أطفال الشوارع وسوف تتحمل الحكومة نفسها نتيجة قرارها.

لم ينجح تسليط الضوء على أزمة الانفجار السكاني طيلة السنوات الماضية في إيجاد رأي عام داعم لتوجهات الحكومة نحو إلزام المواطنين بطفلين ولو لمرحلة مؤقتة.

أحمد مجدي حجازي: لا بدّ من دراسة السببين الاجتماعي والديني للانفجار السكاني

وفي كل مرة تتجه الحكومة نحو الإعلان عن بدء تطبيق قرارات جديدة في هذا الشأن تصطدم برفض شعبي يجعلها تتراجع، وهو ما يشي بأن الأزمة تكمن في الأدوات التي تستخدمها لتهيئة البيئة الملائمة لإقرار القانون.

وكان من المقرر أن تعلن القاهرة عن استراتيجية محددة لمواجهة الزيادة السكانية منتصف العام الماضي، تتضمن تحديد الدعم لطفلين فقط على أن تتحمل الأسرة  الطفل الثالث وما بعده كاملا، وتحصل الأسرة التي تلتزم بإنجاب طفلين على مزايا إيجابية في المدارس وعبر بطاقات التموين كتحفيز لها، لكن الخطة اختفت.

وتركز الحكومة خطواتها الحالية على مسارات التوعية التي تقوم بها عبر حملة “2 كفاية”، ووصلت إلى 7 ملايين و270 ألف أسرة إلى جانب الاتجاه نحو التوسع العمراني في المدن الجديدة وتحسين الأوضاع المعيشية في المناطق المأهولة، بحسب ما نصت عليه خطة الحكومة للتعامل مع الأزمة السكانية في العام 2021.

وقالت مصادر حكومية لـ”العرب” إن هناك صعوبات جمة في الإقدام على ترجمة الشعار في شكل تشريع، وثمة قناعة بأنه لابد أن تتوفر أولا البيئة الداعمة لنجاح القانون، لأن إقراره على هذا النحو يؤدي إلى مشكلات كبيرة وسط رفض واسع للمقترح، وقد يقود إلى زيادة معدل التسرب من التعليم وعمالة الأطفال.

وأضافت المصادر ذاتها، التي رفضت الكشف عن أسمائها، أن التوجه الفترة المقبلة سيكون نحو تشديد الإجراءات والقوانين التي تحسن من جودة بيئة الأسر الفقيرة التي تشكل أساس الزيادة السكانية، وقد يكون هناك اتجاه نحو الارتكان إلى الفصل الواحد الذي يتيح للصغار التعلم والعمل في آن واحد، ووضع ضوابط تنظم عمل الأطفال بدلا من منعها بشكل تام حتى يمكن السيطرة عليها.

ومن المتوقع التراجع عن الخطط والتوجهات التي حاولت الحكومة تنفيذها الفترة الماضية ولو بصورة مؤقتة كي تضمن تنفيذها في أجواء إيجابية، غير أن ذلك الارتباك سيقود إلى استمرار الزيادة لسنوات إلى حين نجاحها، وأن التحركات المقبلة سوف تتركز أكثر على الأسباب والظروف التي تدفع الأسر إلى كثافة الإنجاب ومحاولة التعامل معها بقرارات وقوانين لا ترغمها بشكل مباشر على تحديد النسل. لذلك تتجه الحكومة نحو دمج الاقتصاد غير الرسمي في هياكل رسمية للوصول إلى الفئات التي تصنفها التقارير بأنها فقيرة، ومن ثم فرض ضرائب عليها، على أن ترتبط الحوافز والعقوبات بالضرائب ذاتها من دون مساس بالدعم.

وأوضح أستاذ علم الاجتماع السياسي بجامعة القاهرة أحمد مجدي حجازي، أن العوامل الثقافية والاجتماعية والدينية تصدت لمحاولات الحكومة إلزام المواطنين بعدد محدد للأطفال، وانعكس ذلك على فعالية الحملات التي دشنتها السنوات الماضية بشعارات مختلفة، وجميعها هدفت إلى التوصل إلى حل للزيادة السكانية، وهو ما يتطلب التفكير بطريقة متطورة للتعامل مع الوضع القائم.

وأشار في تصريح لـ”العرب” إلى أن الحكومة عليها أن تقارن بين ما يقوم به المواطن بإنتاجه وبين كفاية هذا الإنتاج وتوزيعه على التعداد السكاني، وعليها أن تقلل هذه الفجوة بقدر المستطاع من خلال تعظيم القدرات الإنتاجية أو الاهتمام بتوعية الناس والاهتمام بجودة التعليم وتحسين الأوضاع الاجتماعية والظروف المحيطة بهم، بما يجعلهم أكثر قدرة على الإنتاج.

وأوضح أن الزيادة الحالية تقود إلى الانفجار السكاني ولابد من الغوص في الأسباب المجتمعية التي تؤدي إلى تنامي معدلات الإنجاب لدى العديد من الأسر، والنظر إلى البعد الديني الذي يؤثر في قرارات المواطنين وكيفية التعامل مع هذا المؤثر، بالتوازي مع استمرار خطوات رفع معدلات النمو الاقتصادي واستغلال القدرات الإنسانية في الإبداع والابتكار بدلا من اتخاذ خطوات تبدو معادية لحق هؤلاء في الحياة.

التحركات المقبلة ستتركز على أسباب كثافة الإنجاب والتعامل معها بقوانين لا ترغم الأسر بشكل مباشر على تحديد النسل

وتضع الحكومة أهدافا عدة لضبط النمو السكاني من خلال برامج تنظيم الأسرة المعتمدة، والتي تسعى لخفض معدلات الإنجاب بصورة تدريجية إلى نحو 2.1 طفل لكل سيدة بعد نحو عقد من الآن، والوصول إلى 1.6 طفل لكل سيدة بعد حوالي ثلاثة عقود، ومنها إتاحة وسائل تنظيم الأسرة بالمجان للجميع ورفع وعي المواطن بالمفاهيم الأساسية للقضية السكانية وجميع آثارها، وتحقيق التمكين الاقتصادي للمرأة وتمويل حزمة من المشروعات الصغيرة لها.

وذهب خبراء في تنظيم الأسرة إلى التأكيد على أن جهود التوعية التي تبذلها الدولة بكل أجهزتها بحاجة إلى تطوير مستمر، لأن عدد عيادات تنظيم الأسرة في القرى والنجوع غير كاف لاستيعاب جميع المواطنين.

علاوة على أن إشراك 108 جمعيات أهلية فقط في الجهود التي تبذلها وزارة التضامن الاجتماعي لتعريف الأسر بحملة “2 كفاية” التي بدأت الحكومة في تنفيذها عام 2019، يبرهن على ضرورة الانفتاح على أكثر من خمسين ألف جمعية أهلية ومنظمة حقوقية تعمل في مصر.

21