حكومة ميقاتي في لبنان بنفس الطباخين، فهل تقدم وجبة جديدة؟

شكوك في قدرة حكومة ميقاتي على مواجهة تحديات لا حصر لها.
الاثنين 2021/09/13
لا حلول سحرية لحكومة ميقاتي

بيروت - تقع على حكومة لبنان الجديدة التي يرأسها نجيب ميقاتي مهمة إنعاش الاقتصاد الهائلة في بلد يواجه أزمات غير مسبوقة في تاريخه، غير أنّ محللين يشككون بقدرتها على التصدي لتحديات لا حصر لها.

وسيكون على الحكومة الجديدة كبح الانهيار الاقتصادي في لبنان الغارق في أزمة وصفها البنك الدولي بأنّها الأسوأ منذ 1850.

وشهد لبنان الجمعة ولادة حكومة ميقاتي، وهو واحد من أبرز أثرياء هذا البلد وسبق أن ترأس حكومتين. بيد أنّ الحكومة المؤلفة من 24 وزيرا والتي كان تشكيلها لا بدّ منه للحصول على مساعدات دولية، أبصرت النور بعد تجاذبات سياسية متمادية بين الأحزاب التي تتقاسم السلطة في لبنان دون أن تحظى بمصداقية طيف واسع من اللبنانيين.

وجاءت ولادة الحكومة بعد 13 شهرا من استقالة حكومة حسان دياب إثر انفجار مرفأ بيروت المروّع في الرابع من أغسطس العام الماضي الذي أدى إلى مقتل أكثر من مئتي شخص وإصابة أكثر من 6500 بجروح، ودمّر أحياء من العاصمة، مفاقما معاناة اللبنانيين الذين بات 78 في المئة منهم يعيشون تحت خط الفقر.

مهى يحيى: المهمة الأولى للحكومة هي احتواء الانهيار الاقتصادي

وبين الوزراء اختصاصيون على غرار وزير الصحة فراس أبيض الذي قاد عبر مستشفى رفيق الحريري الجامعي جهود التصدي لوباء كوفيد - 19، والأستاذ الجامعي ناصر ياسين مدير مرصد الأزمة في الجامعة الأميركية. كما تضم سفيرين سابقين هما عبدالله أبوحبيب (وزيرا للخارجية) ونجلاء رياشي (وزيرة للتنمية الإدارية)، المرأة الوحيدة في الحكومة، بالإضافة إلى الإعلامي المعروف جورج قرداحي.

ووصفت وسائل إعلام محلية التشكيلة الجديدة بكونها “حكومة الثقة شبه المستحيلة”.

والمخاوف المشتركة التي جرى التعبير عنها سواء في وسائل الإعلام أو شبكات التواصل وأيضا على ألسنة بعض الخبراء، محورها مدى قدرة الحكومة الجديدة على إنعاش اقتصاد يعاني من تدهور غير مسبوق، وهامش التحرك الذي تحظى به في مجال الإصلاحات.

وكتبت لبنانية على موقع فيسبوك “إنّها حكومة… النيترات والعقم السياسي والفساد التوافقي”، في إشارة إلى انفجار بيروت في أغسطس الماضي نتيجة تخزين كميات ضخمة من مادة نيترات الأمونيوم في مرفأ العاصمة دون أي احتراز.

واتسع نطاق التساؤلات ليشمل طبيعة التغييرات التي يمكن إنجازها على يد فريق حكومي اختار أفراده أقطاب الحياة السياسية الممسكين بمكامن السلطة منذ عقود ويُنظر إلى سياساتهم الزبائنية والشكوك حول فسادهم على أنّها المتسببة بالانهيار الاقتصادي.

وتساءل الباحث والأستاذ الجامعي سامي نادر في حديثه لوسائل إعلامية “الطباخون أنفسهم في إشارة إلى الطبقة السياسية، شكّلوا الحكومة، فهل هم قادرون على تقديم وجبة جديدة؟”، مضيفا أنّ “الخوف الحقيقي في ألا يقود أسلوب عمل (النظام) نحو إنتاج شيء جديد”.

وبالنسبة إلى مهى يحيى مديرة مركز كارنيغي في الشرق الأوسط، فإنّ “الأولوية للحكومة هي في احتواء الانهيار”.

ولهذه الغاية، يقول المحللون إن استئناف المفاوضات مع صندوق النقد الدولي للحصول على مساعدات مالية يبدو ضروريا.

ومن بين التحديات التي تواجه الحكومة الجديدة، التوصل إلى اتفاق مع صندوق النقد الدولي بعدما توقفت المحادثات معه عمليا بداية صيف 2020.

وتعتبر الأسرة الدولية أنّ اتفاقا كهذا لا مفرّ منه لتوفير مساعدات حيوية.

وكانت المحادثات قد انطلقت في مايو 2020، وانتهت بعد شهرين من الخلافات في الجانب اللبناني حول الخسائر التي سيقع على الدولة تكبّدها والخسائر المترتبة على دائنيها الرئيسيين وتشمل لائحة التحديات الطويلة: تحقيق استقرار العملة الوطنية، مكافحة التضخم المفرط والشحّ الذي يطال موادا رئيسية.

وبحسب مرصد الأزمات في الجامعة الأميركية في بيروت، قفزت تكلفة الغذاء بنسبة 700 في المئة في العامين الماضيين.

ويعيش 78 في المئة من اللبنانيين حاليا تحت خط الفقر في مقابل أقل من 30 في المئة قبل الأزمة، بحسب الأمم المتحدة. كما سيتعين على الحكومة معالجة النقص الخطير في الأدوية والوقود والكهرباء والذي يعرّض الصحة العامة للخطر ويشلّ نشاط المستشفيات والشركات والصناعات.

وفي تقرير حديث، أكدت مؤسسة “أي.إتش.إس ماركت” للأبحاث، على استمرار التحديات التي تواجه شركات القطاع الخاص في لبنان نتيجة نقص الوقود وتآكل القوة الشرائية للزبائن المحليين.

ويشكك المحللون في قدرة الحكومة على مواجهة كل هذه التحديات.

وترتبط عمليات التدقيق في حسابات المصرف المركزي ارتباطا وثيقا بالمفاوضات مع صندوق النقد الدولي وكذلك مواءمة أرقام الخسائر التي تطالب بها هذه المؤسسة.

وفي سبتمبر سنة 2020 أعلنت الدولة إطلاق التدقيق الجنائي، قبل انسحاب شركة “ألفاريز آند مارسال” الدولية بعد شهرين قدّم خلالهما المصرف المركزي جزءا يسيرا من المعلومات والوثائق المطلوبة من قبل المكتب.

ميشال دويهي: هذه المنظومة تسعى من خلال الحكومة لالتقاط النفس مجددا

ويرى الخبير الاقتصادي مايك عازار أنّ الاتفاق النهائي مع صندوق النقد الدولي يعني “إصلاحين رئيسيين: إعادة هيكلة القطاع المصرفي والمصرف المركزي، وأيضا القطاع العام، ولاسيما ديونه”.

غير أنّ “إعادة هيكلة القطاع العام لها تأثير على الأحزاب السياسية، فهو المصدر الرئيس لتمويل نظامها الزبائني”، متسائلا “كيف سيقبلون ذلك؟”.

أما في ما يتعلق بتحقيق استقرار العملة والأسعار “فلا شيء يمكن القيام به غير تلكما العمليتين لإعادة الهيكلة”، وفق الخبير الاقتصادي إذ إنّ هبوط التضخم وسعر الصرف يعتمدان عليهما إلى حد كبير وفقا له.

وفي تقديره، لن تسفر الإجراءات اليتيمة إلا عن “تحويل التأثير والتكلفة إلى مكان آخر” داخل الاقتصاد.

ويجمع المتابعون على أن إحدى العقبات الرئيسية أمام الإصلاح تكمن في “عقلية” تقاسم الحصص بين الأحزاب الحاكمة التي هيمنت مرة جديدة على الحكومة وأخّرت تشكيلها.

وأردفت يحيى “يمكنهم استخدام الوزراء في الحكومة لعرقلة أي إصلاح يرون أنه يقوّض مصالحهم”.

وعلى الصعيد السياسي، يقول خبراء إنه سيتعين على الحكومة الحالية استعادة الثقة المفقودة تماما في الدولة وتمهيد الطريق للانتخابات التشريعية المقبلة.

وأكد ميقاتي الجمعة أنّ الانتخابات التشريعية المقرر إجراؤها في مايو 2022 ستقام في موعدها.

وتُعدّ هذه الانتخابات حيوية للشروع في تجديد النخبة السياسية التي لم تتغيّر تقريبا منذ الحرب الأهلية (1975 - 1990).

ووصف الباحث في العلوم السياسية ميشال دويهي تلك الوعود بذرّ الرماد في العيون.

وبرأيه “تسعى هذه المنظومة من خلال الحكومة لالتقاط النفس مجددا”، مستنتجا بشأن الانتخابات “قد يؤجلونها في اللحظة الأخيرة حفاظا على أنفسهم”.

7