إيران تلحق بالمتسابقين على إعمار الموصل

أربيل (العراق) - أبدت إيران الخميس استعدادها للمساهمة في إعادة إعمار البنى التحتية في مدينة الموصل مركز محافظة نينوى شمالي العراق، لتكون بذلك أحدث القوى الدولية والإقليمية التي عبّرت عن الاستعداد نفسه في إطار ما يبدو أنّه سباق على مدخل مناسب لتوطيد النفوذ في البلد المفتوح على الصراعات الخارجية من بوّابة المدينة الكبيرة التي تحتلّ موقعا استراتيجيا وتمّثل مركزا مهمّا للمكوّن السنيّ العراقي.
ويلفت الانتباهَ في العرض الذي ورد على لسان القنصل الإيراني العام في محافظة أربيل مركز إقليم كردستان العراق نصرالله رشنودي خلال مؤتمر صحافي عقده مع محافظ نينوى نجم الجبوري في الموصل، توقيتُه إثر زيارة قام بها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى العراق وشملت الموصل، وكذلك في أعقاب تصريحات أدلى بها القنصل الأميركي في أربيل روبرت بالادينو وأدان فيها تشبّث الميليشيات الشيعية الموالية لإيران بقضاء سنجار غربي الموصل وتعطيلها مسار تطبيع الأوضاع في القضاء.
وقال رشنودي إنّ "الموصل تعرضت إلى دمار كبير بسبب الإرهاب ورغم ما تقدمه الحكومة المحلية إلاّ أن حجم الدمار أكبر بكثير من إمكانياتها، وايران مستعدة لتقديم الخدمات خصوصا في إطار الإعمار والبناء ولديها قدرات وخبرات كبيرة في هذا المجال".

ولا ترغب إيران فقط في دعم حضورها في الموصل والمؤمّن أصلا عن طريق ميليشيات شيعية كانت قد ساهمت في استعادة المدينة من عناصر تنظيم داعش وما تزال تتمسّك بالبقاء هناك منذ نهاية الحرب ضدّ التنظيم سنة 2017 رغم تذمّر السكّان من تصرفاتها الطائفية وانغماسها في الفساد وتعطيل تطبيع الأوضاع فيها واستئناف دورتها الاقتصادية عبر تسلّطها على التجار وأصحاب المشاريع والأعمال، ولكنّها ترغب أيضا في مشاركة الجهات المرشّحة للمساهمة في إعمار المدينة المكاسبَ الماديةَ التي ستتأتى من وراء العملية التي قد تأخذ شكل مشاريع استثمارية طويلة الأمد.
وأضاف رشنودي "نطمح إلى فتح آفاق للتعاون في المجالات العلمية والاقتصادية وحتى الثقافية مع محافظة نينوى كما نسعى لإقامة معرض يختص بمجال الإعمار والبناء للشركات الإيرانية في الموصل".
من جهته قال الجبوري "نحن نعمل بجد لإعادة إعمار الموصل لكن الإمكانيات المادية لا تساعد على ذلك ونعمل بما هو متوفر"، مؤكدا "استعداد محافظة نينوى للتعاون مع أيّ جهة تريد تسريع عجلة الإعمار ومحو آثار الحرب".
وكان تنظيم داعش قد اجتاح نينوى صيف سنة 2014 وكانت الموصل مركز المحافظة أكبر مدينة يسيطر عليها التنظيم على الإطلاق في العراق.
واستعادت القوات العراقية بدعم التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة مدينة الموصل من قبضة التنظيم سنة 2017 بعد معارك عنيفة استمرت قرابة عشرة أشهر وتسببت بتدمير أجزاء واسعة من المدينة بسبب تحصّن عناصر التنظيم داخل الأحياء السكنية واعتماد العملية العسكرية ضدّهم على القصف المدفعي والجوّي الذي وصف بالعشوائي حسب وصف خبراء عسكريين وأيضا حقوقيين كانوا قد انتقدوا طريقة إدارة المعركة.
ولا يزال ركام الحرب والمنازل والأبنية المدمرة يغطي المدينة وسط ضعف الإمكانات المالية الحكومية لإعادة الإعمار.
وتعتبر الموصل بفعل موقعها على الطريق بين إقليم كردستان العراق ومناطق الشرق السوري، في قلب الصراع الأميركي الإيراني على النفوذ في العراق. وانتقد القنصل الأميركي بالادينو قبل أيام إصرار الميليشيات الموالية لإيران على التواجد في سنجار الواقعة على بعد حوالي ستين كيلومترا إلى الغرب من الموصل معتبرا أنّ تلك الفصائل "لا تريد معالجة مشكلة القضاء".

وبينما تسّجل إيران حضورها في نينوى عن طريق الميليشيات الشيعية بهدف تأمين خطّ ثان مفتوح بين العراق وسوريا نظرا لعدم ضمانها استدامة الخط الطويل الذي يمرّ عبر مناطق سنّية شاسعة في محافظة الأنبار، تعمل تركيا سياسيا وعسكريا على ضمان موطئ قدم في المحافظة لإغلاقها في وجه مقاتلي حزب العمّال الكردستاني.
أمّا الولايات المتّحدة فإنّ نينوى وكامل المحور الذي يمر بأراضي المحافظة ويمتد بين أربيل والشرق السوري حيث نقاط تمركز القوات الأميركية في الحسكة ودير الزور والرقّة تعاظمت أهميتهما مع ظهور سيناريو اتخاذها أراضي كردستان العراق موطنا بديلا لقواتها التي تقول إنّها بصدد سحبها من عدد من المواقع العراقية في نطاق ما أعلنته إدارة جو بايدن مؤخرا بشأن تغيير مهمة تلك القوات من قتالية إلى تدريبية واستشارية للقوات العراقية.
وانضمت فرنسا حديثا إلى المنافسة على موطئ قدم لها في الموصل من خلال زيارة قام بها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون نهاية الأسبوع الماضي إلى المدينة حيث وقف هناك على الدمار الذي لحق بكنيسة الساعة وجامع النوري أبرز معالم المدينة التي دمرت بفعل المعارك ضدّ داعش.
وحثّ في كلمة ألقاها هناك العراقيين على العمل معا، قائلا "نحن هنا للتعبير عن مدى أهمية الموصل وتقديم التقدير لكل الطوائف التي تشكل المجتمع العراقي" وواصفا عملية إعادة الإعمار بـ"البطيئة والبطيئة جدا".