صحوة سودانية متأخرة ضد مسارات تمويل فلول البشير

أجندات سياسية تعرقل أشغال لجنة إزالة التمكين.
الأربعاء 2021/08/25
تجفيف منابع التمويل مهمة معقدة

لا تزال الأجندات السياسية وحسابات التموقع في السودان تعرقل أشغال لجنة إزالة التمكين ومحاربة الفساد واسترداد الأموال. وتبذل اللجنة التي تواجه ضغوطا ومطبات مجهودات كبيرة في سبيل إنجاز المهام المنوطة بعهدتها مدفوعة بدعم شعبي.

الخرطوم - سرّعت لجنة إزالة التمكين في السودان خطوات تعاملها مع تحركات فلول نظام الرئيس السابق عمر البشير واتخذت أخيراً جملة من القرارات المالية التي استهدفت بها تضييق الخناق على مسارات التمويل الداخلية والخارجية للعناصر الإخوانية، وسط مطالبات بالكشف عن المزيد من المعلومات بشأن مصادر هذه الأموال والجهات المتورطة في دعم الثورة المضادة.

وقررت لجنة إزالة التمكين بالتعاون مع البنك المركزي السوداني الاثنين تجميد حسابات 161 شخصًا بينهم قياديون في تنظيم الإخوان -من ضمنهم العباس البشير، شقيق الرئيس السوداني المعزول- بتهم الاتجار بالعملات وإلحاق الضرر بالاقتصاد.

ودفعت حالة السيولة التي مرت بها الدولة منذ سقوط نظام البشير وعدم اتخاذ السلطة الانتقالية قرارات حاسمة بشأن التعامل مع الفلول إلى مضاعفة تدفق التمويلات على عناصر إخوانية وخلايا تورطت في أحداث عنف وفوضى مؤخرا.

ويمكن وصف تحركات اللجنة بالاستفاقة المتأخرة لأنها ستجد صعوبة في التعامل مع كافة المسارات بعد أن أضحى المال السياسي وسيلة تتحكم في الكثير من الأزمات التي شهدتها الفترة الانتقالية، وبات الأمر بحاجة إلى تكاتف جميع المؤسسات، إذا كانت هناك إرادة سياسية في التعامل مع ما يمثله فلول البشير من مخاطر.

مرتضى الغالي: أطراف خفية تدعم حسابات الإخوان وتحافظ على سرّيتها

وأعلنت لجنة تفكيك نظام 30 يونيو وضع يدها على عدد من الحسابات المصرفية التي تتداول مبالغ مالية ضخمة تصل إلى مليارات الجنيهات السودانية، وتتاجر بالعملات في الأسواق الموازية وتمارس السمسرة وغسل الأموال.

وقال عضو اللجنة وجدي صالح في مؤتمر صحافي مساء الأحد إن لجنته ضبطت 90 حسابا مصرفيّا بإجمالي حركة حسابات فاقت 64 مليار جنيه سوداني (103 ملايين دولار تقريبًا) خلال فترة قصيرة، تعود إلى أشخاص وشباب وربات منازل ورجال أعمال دون نشاط اقتصادي واضح، وجرى فتحها مع بداية الثورة السودانية أواخر عام 2018 واستمرت حتى عام 2020.

ويبرهن حجم تعاملات الأموال المهربة على أن هناك خططا ممنهجة يتم الاعتماد عليها لإسقاط حكومة الفترة الانتقالية، غير أنها في الوقت ذاته تطرح العديد من التساؤلات والشكوك بعدم جدية السلطة في التعامل مع هذا الخطر، في ظل الانفتاح على تنظيمات وشخصيات وكيانات سياسية محسوبة على النظام السابق، تزامنًا مع توجه الحكومة نحو ما يمكن تسميته بـ”الهبوط الناعم” لدمج أتباع البشير في هياكل الحكم الانتقالي.

وتبدو تحركات لجنة إزالة التمكين كمن يسير في اتجاه مغاير لتوجهات مراكز القوى المختلفة في السلطة الانتقالية، ورغم أن قراراتها تحظى بشعبية واسعة إلا أنها تدخل في أزمات سياسية مع أطراف ومكونات ثورية عديدة من حين إلى آخر. وفي الكثير من المرات يجري التشكيك في القرارات، ودائما يتطلب الأمر تدخلاً مباشراً من رئيس الحكومة عبدالله حمدوك للتأكيد على دعمها في أداء مهامها.

وأكد المحلل السياسي السوداني مرتضي الغالي أن ما تقوم به لجنة إزالة التمكين عمل صعب في ظل الفساد المستشري بالبلاد وحالة الهيمنة الكاملة لتنظيم الإخوان على كافة مفاصل الدولة، وليس من السهل الوصول إلى حسابات بنكية أغلبيتها جرى فتحها منذ اندلاع الثورة واستهدفت الحفاظ على مشروع التنظيم قائماً.

وأضاف في تصريح لـ”العرب” أن “حجم التعاملات وسيولة تحرك الأموال في ظل قرارات صارمة تُصر عليها البنوك السودانية في التحويلات من الخارج يؤكد أن هناك أطرافا خفية تدعم هذه الحسابات وتحافظ على سريتها، وتوصّل لجنة إزالة التمكين إليها يعبر عن جهد ضخم، كان يمكن إنجازه في توقيتات سابقة لو وُجد تعاون جيد بين الأجهزة الحكومية واللجنة”.

إيمان عثمان: لجنة إزالة التمكين تحتمي بالقوة الشعبية ضد الأجندات السياسية

وتكمن الأزمة التي سوف تصطدم بها اللجنة حال قررت المضي قدمًا في أنها ستدخل في حسابات سياسية معقدة مع المكون العسكري الذي يبدو حريصًا على التقارب مع قوى إقليمية -على رأسها قطر وتركيا- شكلت داعمًا رئيسيًا لتنظيم الإخوان في السودان، وأن انفتاح السلطة الانتقالية على هذه القوى من بوابة الاقتصاد والاستثمارات الخارجية ربما يقوض محاولات التعامل مع الخطر الوارد منها بشكل جدي.

وأكدت الكاتبة السودانية إيمان عثمان أن الالتباس مازال مهيمنًا على علاقات السودان مع الدول التي لها علاقة بتنظيم الإخوان، وأن المكون العسكري الذي يقود الاتجاه نحو تدشين علاقات مع تلك القوى مازال مُصراً على إمساك العصا من المنتصف بين مهادنة هذه القوى الإقليمية والتنظيمات السياسية التابعة لها أو التي تدور في فلكها بالداخل وبين مغازلة قوى الثورة على الجانب الآخر.

وشددت في تصريح لـ”العرب” على أن “الشعب لا يرضى عن شكل العلاقة الحالية مع تركيا مثلاً، وتحتمي لجنة إزالة التمكين بالقوة الشعبية. ورغم وجود مشكلات داخلية عديدة انعكست سلبًا على فاعلية تحركاتها استطاعت أن تضبط عدة خيوط فساد وتخترق مؤسسات كان من الصعب الوصول إليها، ولا توجد جهة داخلية أو خارجية تستطيع أن تقف في طريق عملها بسبب ما تلقاه من دعم شعبي”.

2