أروقة الأزهر تخرج من جدرانه لزيادة نفوذه أم لمواجهة المتطرفين

القاهرة – تبدو العلاقة بين الحكومة المصرية والأزهر غامضة ومتناقضة، فهي تعتمد عليه لمواجهة التيارات المتشدّدة وبسط سيطرتها على المجال الديني، وفي الوقت نفسه يُتهم شيخه أحمد الطيب بالتقاعس عن تجديد الخطاب الديني ما سمح لتيارات متطرفة بنخر قواعد المجتمع لأنها لا تجد من يتصدى لها بطريقة حقيقية ما جعل عملية تجفيف منابع الأفكار المتطرفة في البيئة المحلية عصية على الحكومة المصرية.
وزاد الالتباس في العلاقة بين الجانبين مع إعلان الجامع الأزهر السبت الماضي غلق باب تلقي طلبات الالتحاق بأروقته الثلاثين في 19 محافظة مصرية بعد أن وصله أكثر من ستين ألف طلب على مستوى الجمهورية.
وتريد الحكومة من وراء دعم هذه الخطوة تقويض المساحة التي يتحرك فيها التيار السلفي ولم تتمكن من سد الثغرات أمامها بكل ما اتخذته من إجراءات واسعة في الفترة الماضية، لكنها قد لا تدري أنها تضاعف من نفوذ الأزهر وتمنحه المزيد من السيطرة على وجدان المجتمع، فمن يتلقون العلوم الدينية في هذه الأروقة ربما يخرج من بينهم بعض المتطرفين، إذا لم تلتزم بالوسطية المعروفة تاريخيا عن الأزهر.
وتعرّض الأزهر وشيخه أحمد الطيّب إلى اتهامات حملتهما مسؤولية التطرف الذي لم يتلاش من المجتمع على الرغم من تقليص أجنحة غالبية التيارات الدينية بإجراءات أمنية وسياسية متعددة، الأمر الذي يفسره متابعون بأن الأزهر لم يقم بدوره على أكمل وجه في التصدي لعدد كبير من شيوخه ممن يبثون أفكارا عبر المنابر ووسائل الإعلام قد لا تختلف كثيرا عما ينشره العديد من المتشددين.
وشمل فتح باب التقدم أروقة القرآن الكريم بالجامع الأزهر وفروعه بالمحافظات، والتجويد والقراءات بالأزهر وفروعه، والعلوم الشرعية والعربية بالأزهر فقط.
وجاءت الخطوة في إطار الدور المنوط بالأزهر القيام به لتحصيل العلم الشرعي للراغبين وفق منهج معتدل يعلن عنه مرارا، لكن البعض يقولون إنها يمكن أن تسهم في زيادة التطرف في ظل الاتهامات التي توجه لمؤسسة الأزهر بشأن التقاعس عن تجديد الخطاب الديني، فلا يزال البعض ممن يتبنون أفكارا متطرفة يتحركون داخله.
ورأى الكاتب المصري المعروف بحملاته ضد المتطرفين خالد منتصر أن الناس ما زالت تتجه إلى دعاة السلفية وتقع في الفخ على الرغم من انتشار الأزهر ودعاته وعلمائه وأروقته، وهو ما يطرح تساؤلات كثيرة حول السبب وراء هجرة الناس لعالم الأزهر مقابل التهافت للحصول على المعلومة الدينية من شيوخ التشدد.
وأضاف في تصريح لـ”العرب” أن “رجال الأزهر عليهم الإجابة على السؤال الأهم والواقعي ألا وهو لماذا يجذب الدعاة السلفيون رجل الشارع وليس الداعية الأزهري المتعلم الوسطي؟”.
وتابع “عندما تتوصل المؤسسة الدينية إلى إجابة مقنعة دون تحيز حول هذا التساؤل سيدركون الحقيقة المرة، وهي أن مواجهة التطرف لن تكون بنشر الأروقة بل بتجديد الفكر والخطاب والتراث والعقلية”.
وتتم الدراسة في الأروقة الأزهرية بصورة مجانية ومتاحة بنظام التعليم عن بعد، ويحق للدارس أن يلتحق بأكثر من رواق مع الالتزام بمواعيد الحضور والامتحانات.
ويؤكد مسؤولون في الأزهر أن عملية خروج الأروقة من داخل جدران الجامع الأزهر إلى مختلف أنحاء مصر ترمي إلى قطع الطريق على مروجي الأفكار المتطرفة ضمن حرصه على التفاعل مع المجتمع ومناقشة قضاياه وتوفير حلول لها.
وقال عبدالمنعم فؤاد المشرف على الرواق الأزهري إن الإقبال الشديد من جانب الناس على المشاركة في الأروقة يعكس ثقة الناس في المؤسسة الدينية الأكبر داخل البلاد، وأنها ما زالت تحتل المرتبة الأولى من حيث المصداقية والعراقة والأمانة في تعليم العلوم الدينية وليس كما يدعي البعض من تراجع دورها ومكانتها.
وأوضح في تصريح لـ”العرب” أن المصريين أثبتوا أنهم جوعى على موائد العلم وتلقي المعرفة على أيدي العلماء الأزهريين، وبمجرد فتح باب التقدم للأروقة وجدوا ضالتهم وثقتهم في الشريحة التي تقدم إليهم العلم بطريقة راقية متحضرة وسطية بعيدة عن التشدد والتطرف، ولم يتوقع أي مسؤول في الأزهر أن يكون الإقبال على الأروقة كثيفا إلى هذه الدرجة.
ويحذر مراقبون من مغبة الإسراف في تمدد الأزهر، فإذا لم يكن تحت رقابة صارمة من قبل الحكومة والعلماء الوسطيين فيه فقد تخرّج الأروقة قنابل موقوتة يمكن تفجيرها في وجه المجتمع وتقدم شخصيات جاهزة لتجنيدها من جانب بعض التنظيمات المتطرفة، وهو ما يمثل شبحا مخيفا يتطلب الحذر في التوسع وتقنينه.
ودافع عبدالمنعم فؤاد عن الخطوة بتأكيده أن الأزهر عندما قرر التوسع في الأروقة فهو يهدف إلى تفكيك الخطاب الإرهابي ومحاصرة أفكار المتطرفين وجذب الناس بعيدا عن دعاة الفتنة عبر علماء يجيدون فن تقديم الدعوة الإسلامية بصورة صحيحة وحضارية وسطية وتقديم الدين في شكل سمح.
ويسير التوغل في التعليم الديني عموما في طريق عكس ما تريده الحكومة في مجال التوسع في التعليم المدني، ويوصل رسالة توحي بالتناقضات في التصورات، فكيف تحارب التيارات المتطرفة وتمنح الأزهر المزيد من الأرض التي يتحرك فيها وهو متهم في نظر البعض بتفريخ عناصر متطرفة؟
ودائما ما يروج الأزهر أن زيادة الإقبال على الالتحاق في معاهده الدينية والتحول إليها من التعليم العام يعكسان ثقة الشارع في توجهاته وعلمائه، حيث يوظف ذلك في الرد على الاتهامات التي تطاله بأنه صار فاقدا للمصداقية بين الناس، ومناهجه تربي النشء على التطرف، في إطار تمسكه بأن يتخذ من جمهوره مظلة يحتمي بها لمواجهة المتربصين به.